هى قضية أخرى تضاف إلى قضايانا الخاسرة، ولا أعرف لماذا نفشل دائما حينما نريد أن نظفر، ولماذا كتب الله علينا أن نرجع خطوات كلما أردنا أن نتقدم خطوة، وفى ظنى أن نقص الإخلاص هو السبب المزمن لهذه الحالة العبثية من الخسران الدائم، فخسرنا «الثورة» حينما ظن شباب الثورة أن الإصلاح يكمن فى شاشات الفضائيات، وخسرنا الدولة حينما تخيلنا أن هيبة الدولة تعنى البطش والاعتقال والتفتيش فى النوايا، وها نحن نخسر قضية «تجديد الخطاب الدينى» لأن القائمين على تجديد هذا الخطاب من أهل الأزهر الشريف لا يريدون إلا تصدر المشهد وتصدير وجهة نظرهم باعتبارها دينًا جديدًا، وخسرنا أيضا حينما ظن بعض المثقفين أن التجديد يعنى الهدم والتشكيك، دون تقديم البديل النظرى لما يهدمونه.
كلنا راسبون، لأننا نتشدق بأقوال لا نعنيها، نقول إننا «دولة مؤسسات» فى حين أننا نترك أهم أمور حياتنا للعشوائية والارتجالية وفى أحسن الأحوال نتركها للاجتهادات الفردية، وحتى حينما نريد أن نبنى مؤسسة ما فإننا نبنيها على أسس غير مؤسسية، لا معيار لدينا ولا ميزان، كل رئيس فى مكانه يفصل «مكانه» على هواه، وآفة الرأى الهوى.
للأسف خسرنا معركة «تجديد الخطاب الدينى» قبل أن نخوضها لأننا تركناها لـ«برامج الهواء» فضاعت البرامج كما ضاعت القضية «فى الهواء» ويؤسفنى هنا أننى قد دعوت وزارة الثقافة والأزهر الشريف منذ ثلاث سنوات إلى إنشاء مركز علمى مستقل يحمل اسم «الإمام محمد عبده» وهو الإمام الذى يحظى باحترام معظم المثقفين والأزهريين على حد سواء، وناشدت الوزارة والمشيخة بأن يضعوا خلافاتهم الجانبية جانبا، وأن يخلصوا النية لله والوطن ليطهروا حياتنا من مدعى العلم وتجار الدين وتجار التنوير على حد سواء، لكن هذه الدعوة- للأسف- ضاعت كغيرها وسط انغماس الجميع فى تمجيد أنفسهم وضمان مصالحهم.
ضاعت قضية «تجديد الخطاب الدينى» لأنه ليس بيننا مثقف كبير مثل نجيب محفوظ تعرض للكثير من الظلم من جانب الأزاهرة ولم يضبط ولو لمرة وهو يقلل من شأن علماء الأزهر أو يهاجمهم بل على العكس كان شديد الحكمة فى التعامل مع خلافه الفكرى معهم فربح القضية فى النهاية دون أن ينال من احترام أكبر مؤسسة دينية فى العالم الإسلامى، وخسرنا القضية لأنه ليس بالأزهر كتيبة فقهاء مثل الإمام المراغى الذى قال لأحد لجان وضع القانون «ضعوا ما ترونه فى صالح الناس وسآتى لكم بدليل من القرآن والسنة يؤيده» أو مثل الإمام محمود شلتوت الذى هاجم فكرة «الإجماع» التى يطنطن بها السلفيون دون وعى أو علم، أو مثل العالم عبد المتعال الصعيدى الذى نقد بعض التشريعات فى الإسلام فى كتابه الرائد «القضايا الكبرى فى الإسلام» دون أن يتطاول على صحابى أو يتجنى على فقيه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة