كل يوم نصحو على زلزال جديد فى عالمنا العربى، كما لو كان هناك ساحر يجلس على خشبة المسرح ويقدم عرضا للجمهور مستخدما خريطة المنطقة، يغرز هنا سكينا ويشعل هناك نارا، ويطلق حربا أهلية فى منطقة ثالثة، وثورة شعبية فى بلد رابع، وصراعا مذهبيا فى ناحية خامسة، وهكذا، ومع كل حركة جديدة من هذا الساحر الخارق ننشغل وننفعل بما يفعل حاليا، وننسى حركاته وألاعيبه السابقة التى أشعلت النيران والحروب الأهلية والمذهبية والثورات والانقسامات رغم أنها مازالت مستمرة مدمرة.
المنطقة العربية الغنية بالنفط والمريضة به فى الوقت نفسه، لا تمتلك إرادتها المستقلة، فهى ترسم سيناريوهات لنهضتها أو لوحدتها أو لتحقيق الرفاهية لشعوبها، وفى المقابل تواجه سيناريوهات تدميرها وتفتيتها واحتوائها والتحكم بالثروات التى تملكها باستمرار، ولننظر إلى آخر ألاعيب الساحر الخفى فى المنطقة جيدا حتى نقترب من السؤال الذى يعنون هذا المقال، وأعنى صعود الحوثيين فى اليمن والحرب الذى يقودها التحالف العربى ضدهم.
من هم الحوثيون؟ وكيف صعدوا فجأة إلى قلب الأحداث؟ ومن يدعمهم بالعتاد والسلاح والمعلومات؟ ومن يرسم لهم طريق الصعود؟ وما علاقتهم بتنظيم داعش من حيث طريقة الصعود السريع والتوجه العام؟ ثم ما علاقة الحرب على الحوثيين بالصراع السعودى الإيرانى؟ وما علاقة هذه الحرب بحروب البترول بين الجانب الأمريكى السعودى من ناحية والروسى الإيرانى من ناحية أخرى؟ وما مدى ارتباط الحرب على الحوثيين بإعادة ترسيم مناطق النفوذ بين السعودية ومصر وتركيا وإيران؟ وما دور إسرائيل فى كل هذه الصراعات؟
أسئلة ترتبط بأسئلة لا تنتهى، وكلها مفتوحة لا يمكن الجزم بإجابات واضحة نهائية لها، اللهم إلا فيما يتعلق بإعادة تخطيط المنطقة العربية، هدمها وإعادة تقسيمها وفق معايير جديدة تختلف عن معايير كونها محطة بترول ضخمة ترى الولايات المتحدة وحلفاؤها ضرورة السيطرة عليها وتأمين تدفق النفط لمصانعهم، كما يرون ضرورة تأمين أمن الوديعة الاستعمارية بالمنطقة وأعنى إسرائيل؟
اهتز معيار أن المنطقة العربية محطة بترول مع الانهيارات المتتابعة لأسعار النفط وتنامى الأبحاث الخاصة بالطاقة البديلة وكذا الأبحاث المتعلقة بالبترول المعالج من صخور التربة أو الكيروجين، كما تراجع معدل المخاطر والتهديد لأمن إسرائيل بصورة جذرية لأول مرة منذ عقود بفعل موجات الاستضعاف العربى، ولم يعد هناك مجال لهذا الاهتمام الأمريكى الغربى بالمنطقة. وللحديث بقية.