الصخب الذى أحدثه من أطلق عليه الإعلام، الباحث فى الشؤون الإسلامية إسلام البحيرى، جعلنى ألتفت إلى من هو ذلك الشخص، خاصة أنى لم أسمع عنه من قبل، ولم أر منتجا فكريا كتبه، فقط منحته القاهرة والناس برنامجا، فكان كالثور الهائج الذى انطلق فى محل متاحف ثمين يضربها بقرونه ليحطمها جميعا. لقد تابعت للمذكور مؤخرا ثلاث مناقشات واحدة منها على التليفون مع الدكتور عبدالله النجار عبر قناة المحور، والثانية كانت حين هرب من النقاش بعد قطعه عهدا أمام المشاهدين، وهم بالملايين، بأنه قبل مناقشة من يرشحه الأزهر الشريف، وجاء الدكتور الشحات الجندى ممثلا للأزهر، بينما أثار هو مشكلة مع الإعداد، وحين دخل على الخط الشيخ أسامة الأزهرى ظهر فجأة يتحدث من وراء هاتفه المحمول، والثالثة فى قناة القاهرة والناس مساء السبت مع الشيخ عبدالله قدرى الباحث بالأزهر وتبين لى ما يأتى:
أولا: إن المذكور لا يحسن التركيز أثناء النقاش والمناظرة، لأن جزءا من قوته العصبية والنفسية لا تذهب للموضوع الذى يناقشه بقدر ما يذهب بها نحو الشخص أو الجهة التى تناقشه أو يختلف هو معها، بدليل أنه قال إن قطعه عهدا على نفسه ليحضر المناظرة فى قناة المحور كانت كلمات قالتها المذيعة فى وسط الكلام، ولم يحسن هو تقدير كونه أثناء الحوار قد وافق عليه.
ثانيا: إن المذكور يتبع منهجا أشار إليه الشاطبى فى الموافقات كنت قرأته منذ عهد سباحتنا فى العلوم الشرعية، ومنها علم أصول الفقه، فقد قرأت الشاطبى مرات عديدة يتحدث الشاطبى عن ظاهرة الاستظهار أى من يقرأ الشريعة من ظاهرها بطريقة القص واللزق، ومجرد قراءة نصوصها الأصلية وشروح العلماء عليها بطريقة الترصد والتحيز المسبق ليقول: إن الشريعة متوحشة وأنها ظلمت المرأة، وأنها دعت إلى الحرق وأن على بن أبى طالب فعله، وأن سبب ذلك هو عكرمة الذى نقل البخارى له حديث أن على قتل من ألهه وبالتالى نستغنى عن البخارى الذى توافقت الأمة وأجمعت على قبوله باعتباره المصدر الأهم والأصح للسنة وفعل النبى صلى الله عليه وأقواله بعد كتاب الله.
ثالثا: إن المذكور لم يشرح للناس منهجا ولم يكن على قدر من الاستقامة أو النزاهة العلمية ليعلن عن مشروعه باعتباره جزءا من تيار إلحادى لا يريد للإسلام أو للشريعة أو لنظام الاجتماع الدينى للإسلام أن يبقى، وبصراحة المنهج الذى يتبعه المذكور هو منهج يستبطن الإلحاد، ويهدف هدم الشريعة كلها والقرآن على رأسها، لكنه لا يستطيع الإفصاح عن ذلك خوفا وهربا من أن وضوحه ذلك سيصرف الناس عنه، فاختفى وراء منهج إلحادى لا يريد أن يفصح عنه، وذهب يشتم فى البخارى والإمام أحمد والأئمة الأربعة ويسبهم ويستهزئ بهم، ويستخسف التراث كله جملة وتفصيلا، ويشتم من خط كلمة أو كتب كتابا فيه، بينما هو يعتمد على التراث ذلك فى مناقشاته، والتراث ذلك هو مصدر أكل عيشه ورزقه، أى لولا التراث لما كان هذا المذكور.
رابعا: إن أمن أى مجتمع واستقراره كما وضحت فى كتابى «الأقليات والسياسة فى الخبرة الإسلامية» ليس فقط أمنا من العدوان العسكرى أو التحدى العسكرى الخارجى، وإنما أيضا أمنه الفكرى واستقراره بتواضع على مرجعيته المقدسة التى يعود إليها حين تواجهه الأزمات، وأكبر دليل على ذلك أن تحد داعش الفكرى اليوم، كما كان تحد الخوارج القدامى هو أخطر من العدوان العسكرى، فهو مهدد للأمن القومى ومهدد لاستقرار المجتمعات، فالفوضى الفكرية والتسميم العقدى وتوجيه سهام النقد لعقيدة الناس المستقرة هو خطر كبير، أقول بصراحة: إن المذكور يختفى وراء نظرية نقد الكتاب المقدس التى أسسها مستشرقون علماء كبار فى القرن التاسع عشر فى أوروبا، وهو يستخدم تلك النظرية فى هدم البخارى، وهو يقصد الإسلام كله والقرآن الكريم، والملحدون العرب والمصريون على مواقعهم يحتفون بتلك النظرية ويضعونها على مواقعهم، فالمذكور عليه أن يعلن بوضوح منهجه.