أكرم القصاص

«حد الخوص» وشم النسيم للجميع

الثلاثاء، 07 أبريل 2015 07:19 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أجيال مختلفة من المصريين رأت السيدات يكتحلن فى سبت النور، وفى اليوم التالى يمسك الجميع بسعف النخيل فى حد السعف، أو «حد الخوص» يلبسوه خواتم وغوايش وأشكالا وألوانا من قلب النخيل الأخضر الخفيف الطرى. سنوات وعقود طويلة لم يكن مسلمو مصر يهنئون الأقباط بأعيادهم لأنهم كانوا ينخرطون فى احتفال الأعياد مثلما كان المسيحيون يحتفلون بأعياد المسلمين، باعتبارها أعيادا وطنية. من دون أن يسأل أى منهم لماذا أو كيف؟. ولم يكن أحد مشغولا بالبحث عن اسم، فقط كانت هذه هى «الحرية الدينية»، التى تفصل بين معتقدات البشر وتعتبرها شأنا خاصا بين المرء وربه، وبين المعتقد الشعبى العام والبحث عن السعادة، والمشاركة فيها، كان الاحتفال بشم النسيم وما زال بين أغلبية المصريين عيدا عاما يخرج فيه المصريون ليأكلوا ويفرحوا مع النيل وحوله. تاركين المعتقدات لأصحابها.

الاحتفال مصرى وإنسانى، والنيل ارتبط بالمصرى منذ الفراعنة، وكانوا يلقون إليه بعروس، حتى وقت قريب. وكان الفلاحون يحددون أوقات البذر والزرع والرى والحصاد والاحتفالات بالشهور القبطية، التى كانت وما زالت تعبر عن الحر والبرد والربيع والتحولات المناخية. وحتى قبل اختراع الساعات كانت حركة الشمس والظل تحدد مواقيت الحركة والعودة. كيهك كان النهار فيه هو الأقصر على الإطلاق «كيهك صباحك مساء تقوم من فطارك تحضر عشاك»، وطوبة شهر البرد الشديد، وأمشير الزعابيب، ثم برمهات « روح الغيط وهات»، وكانت الأشهر ترتبط بالزرع والأكل والشرب، ومنها كانت الاحتفالات بشم النسيم، التى ارتبط مع المسيحيين فى طرف، لكن المصريون كانوا يأخذون العامل المشترك، يبحثون عن سعادتهم ويشاركون بعضهم، من دون عزلة أو سرية. كان الاحتفال علنيا شعبيا واسعا، بلا أسئلة يترك المعتقدات لله، والنيل والنسيم للجميع.

الاحتفالات تبدأ طوال شهر إبريل من الجمعة العظيمة وسبت النور وحد السعف إلى آخر الاحتفالات التى تصل إلى شم النسيم. لم يكن المصريون يوجهون التهانى لأنهم كانوا يحتفلون على طريقتهم من دون أن يتوقفوا ليسألوا، ينخرطوا فى احتفالات، وأعياد أزلية وقديمة قدم مصر نفسها. عندما كانت مصر تسعى فى المساحات المشتركة الواسعة، كانت أقرب إلى الله، وإلى الطبيعة، قبل أن تهب رمال الفكر الجاف، وتستخرج من مقابر العقول موتى وأفكارا وأسئلة ميتة، تزعم أنها فى الدين، بينما هى من أكثر آبار الظلام. ومع هذا بقى المصريون يحتفلون معا، مع النيل والزهور، يبحثون عن السعادة، والحياة، بعيدا عن عقول وقلوب ميتة. وفى هذا يكمن سر المسافة بين النور والظلام.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة