استدعت عبلة الروينى فى «الأخبار»، أمس الأول، حلمى سالم الذى رحل قبل ثلاث سنوات، ربما هروبًا من الكتابة عن المشاهد الهزلية المقبضة التى تحيط بنا، وربما بسبب افتقاد هذا النوع من البشر هذه الأيام، تذكرت صديقى الريفى وحالته، تذكرت عملى معه ومع عبلة والأستاذة فريدة النقاش قبل ربع قرن، تذكرت أيام جيرتنا فى بولاق الدكرور وخلافاتنا حول الشعر، تذكرت طفلتيه وزوجته الرائعة أمل بيضون، عدت إلى ما كتبته عنه.
كان مشغولا بقضيتى الشعر والحرية، هو يبحث عن الشعر فى الألم وفى المخلفات التى تركتها الحضارة الجديدة فى الشوارع، كان حزيناعلى ما آلت إليه البشرية من فجاجة، تسعده الحيل الطفولية التى يبتكرها وهو يكتب، لم يقصد أن يكون حكيما ولا رائدا كالآخرين، كان معنى فى الثقافة المصرية النقية، تجاوز الخلافات الأيديولوجية الساذجة التى فرقت بين شعراء جيله، كان أكثرهم انفتاحا واستطعاما لتجارب الآخرين، يعرف أن اكتشاف موهبة جديدة أهم من اكتشاف قارة، طريقته فى البحث عن الشعر هى محاولة لتجنب الألم والإحباط، قصيدة جيله– السبعينيات–كانت رد فعل على هزيمة يونيو، مليئة بالكوابيس والتهويمات والأحزان، ظل كثيرون فيها، وأفلت قليلون، هذا الجيل أنجب أحمد عبدالله ومحمد السيد سعيد وعشرات، من الذين يشيرون إلى شىء كبير ونافذ داخل وجدان الجماعة الوطنية.
حلمى ومحمد بدوى وأحمد طه، هم الأقرب شعريا وإنسانيا إلى قلبى، لأنهم اعتبروا الحياة هى المصدر الأول للمعرفة، ولم يرسم أحدهم لنفسه صورة غير التى يعرفها عن نفسه، هم متورطون فى الحياة كأشخاص عاديين، يحبون جيرانهم وأقاربهم وأصدقاءهم، ويحترمون خصومهم، نجا الثلاثة من وجهة نطرى من «المرارات» التى أصابت حتى المتحققين من جيلهم، كان حلمى الأكثر إنتاجا وتنوعا ومراوغة ورقة، من الصعب أن تأخذ منه موقفًا، لأنك- مهما حدث- عندما كنت تلتقيه تشعر أنك أمام واحد عزيز عليك من أهلك.. تنتظر عودته.