فى قانون الدولة، يعرف الصعيد بأنه الأفقر فى مصر، هناك القرى التى لم تصل إليها الماء، وهناك الطرق التى لم تمهد بعد، وهناك التعليم المتوقف حتى المرحلة الإعدادية، وهناك أيضا الأمراض بكافة أنواعها.. قبل 5 أيام، كان هذا الوصف هو الأنسب للصعيد وأهله، ولكن بعد انكشاف واقعة أحمد المستريح الشهير بريان الصعيد تبين لنا الوجه الآخر عن مصر الأخرى التى لم نكن نعرفها، عن ملايين من الجنيهات فى يد أهالى الصعيد من كافة مدن الجنوب أودعوها للريان طمعا فى جنى أموال وفوائد شهرية متزايدة، بما يعكس لنا مؤشرا جديدا عن حجم الأموال فى الصعيد خارج الاقتصاد الرسمى للدولة.
الأمر نفسه يحتاج منا إعادة تحرير مصلحاتنا عن «الفقر فى الصعيد»، وهل فعلا يعانى أهالينا بالصعيد قصورا فى الغذاء والمعيشة لندرة المال.. الحقيقة أننى على مدار اليومين الماضيين تواصلت مع العشرات من ضحايا المستريح وتحدثت إليهم واستضفتهم فى برامج فضائية وفوجئت بأن ضحايا المستريح يتعدون المئات، وأن من وقعوا فى الفخ عائلات بأكملها فى قرى ومدن الصعيد، وعندما سألتهم عن التناقض بين الفقر فى الصعيد وحجم أموال الضحايا التى تصل إلى 2 مليار جنيه، تطابقت إجابتهم وكانت: «إحنا كسيبة وربنا بيرزقنا يا بيه».
إذن أنت أمام متغير جديد فى جغرافية المال بالدولة المصرية، مفادها أن مركز المال ليس فقط فى القاهرة الكبرى أو بالإسكندرية أو حتى المحافظات الساحلية، إنما التمركز أيضا فى الصعيد، ولكن بصورة غير معلنة وباقتصاد غير شرعى بعيدا عن عيون الدولة، وهذا يحمل الحكومة مسؤولية أكبر فى كيفية تغير قناعة أهل الصعيد بممارسة الاستثمار عبر أبوابه الشرعية من المشاركة فى أعمال تجارية أو صناعية تعود عليه بالمكسب وعلى أهل الصعيد بالخير.
هذه القناعة غائبة عن أهل الصعيد، هم ينظرون بعين الشك والريبة لأى عمل تكون الحكومة طرف فيه أو حتى يتضمن مخاطرة قد تعرضهم لأى خسارة، وإن كنت من صناع القرار بالدولة المصرية لوجهت وزارة الاستثمار لتنظيم لقاءات موسعة بمراكز الشباب والتجمعات المختلفة، لخلق حالة وعى عند شباب الصعيد للفرص الاستثمارية المختلفة ونماذج المشاريع الصغيرة الممكن تطبيقها هناك والوسائل التجارية الجديدة التى تعود بمكسب حال إتباعها.
إعادة تعريف الصعيد وجغرافية فقره مع الخطوط العريضة لكيفية الاستثمار، تنظم لنا مستقبل دوائر المال فى الصعيد، وعدم تكرار نموذج أحمد المستريح.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
omar shalaan
من أين لهم هذا ! ! ؟