د. إيمان يحيى الطبيب والمناضل، وقبل كل شىء الإنسان، تربطنى به علاقة صداقة عميقة من أكثر من 35 سنة، ومن أيام كنا نجوب شوارع المنصورة الجميلة نتناقش فى السياسة والفن والسينما، كان يدرس الطب وينشط فى الحركة الطلابية، ومع ذلك قارئ لكل ألوان الثقافة والسياسة، وكانت المبادئ والأحلام وحماس الشباب تحركنا نحو تخيل مصر وطنا للحرية والعدالة وأحيانا كانت تدفعنا للإحباط والتشاؤم!
ومع السنين، وضغوط الحياة ومغرياتها، تأكدت أن إيمان الطبيب رجل فكر وعمل، قول وفعل، مبادئ وسلوك، فبمجرد تخرجه التحق فى صفوف المقاومة الفلسطينية فى لبنان كطبيب متطوع، قضى سنوات تحت القصف الإسرائيلى ينقذ الأطفال والنساء والمقاتلين، بعدها طار إلى موسكو ليحصل بعد سنوات على الماجستير والدكتوراه، ويعود لمصر، رفض افتتاح عيادة خاصة لأن الطب عند د. إيمان رسالة وليس تجارة، والتحق كأستاذ بكلية الطب جامعة قناة السويس، وفى الوقت نفسه واصل دوره الوطنى والسياسى فى حزب التجمع وبالكتابة الصحفية والترجمة عن الروسية والإنجليزية، حيث ترجم مجموعة من أهم الكتب التاريخية والسياسية، ومع أزمة التجمع ترك الحزب لكنه لم يترك السياسة، فشارك فى تأسيس حركة كفاية، وحركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، ثم شارك فى 25 يناير و30 يونيو كمواطن مصرى، لأن الرجل لم يسع لقطف ثمار الثورتين، أو ادعاء حق القيادة، كما فعل الكثيرون ممن لا يعرفهم أحد إلا بعد الثورة.
إيمان بكل تاريخه النضالى والسياسى لم يؤسس حزبا أو ائتلافا أو دكانا، وإنما اكتفى بالمشاركة النشطة كمواطن وكطبيب، فهو ليس من «بتوع سبوبة السياسة وحقوق الإنسان» كما يقال، بل هو فى الأصل ومن حيث المبدأ مش بتاع لا سبوبة ولا فلوس ولاعيادات ولاعمارات ولا مناظر كذابة، لكنه فاجأ اصدقاءه ومعارفه وزملاءه بكتابة رواية فضح فيها بلغة روائية ناضجة وخيال مبدع أصيل، الفساد فى الجامعة، وفى أحد أقسام كليات الطب، فساد وتسيب وإهمال يمتد إلى غرفة إجراء العمليات، التى وصف بدقة ما يدور بداخلها والأدوات التى يستخدمها الأطباء والممرضون، ودور كل منهم أثناء العملية، وأعتقد أنها المرة الأولى التى يصف روائى طبيب غموض هذه الغرفة وما يدور فيها، ونحن غالبا ما نكون تحت تأثير المخدر، أو نقف أمامها انتظارا لنتائج العملية التى يخضع لها قريب أو صديق.
الكتابة بالمشرط الرواية الأولى لإيمان يحيى، صادرة عن دار الثقافة الجديدة، رواية ناضجة، يصعب لمن لا يعرف شخصية إيمان يحيى أن يصدق أنها روايته الأولى، لأنها مكتملة فى كل مكوناتها، تمتعك.. وتدهشك.. وتجعلك أكثر تعاطفا مع المرأة المظلومة والمضطهدة حتى فى كليات الطب، وحتى عندما تتفوق علميا على الرجال.نجح إيمان فى الجمع بين خطوط كثيرة برشاقة وموهبه كبيرة، حيث ربط بإحكام بين فساد موروث فى الجامعات المصرية، والظلم الواقع على المرضى داخل وخارج المستشفيات الحكومية، ظلم يمتد للأطباء الشباب خاصة الطبيبات، كل هذا الظلم والفساد والتمييز انتقل من المجتمع إلى الجامعة، عبر افكار سلفية وإخوانية رجعية حولت الجامعة وبعض أساتذتها إلى أدعياء تدين.. وأشباه رجال.. وأنصاف أساتذة.. وتجار فى أرواح ومعاناة البشر، والمفارقة أن كل هذا الفساد والفكر الإخوانى قائم ومستمر بعد 25 يناير و30 يونيو التى يقول عنها أحد أبطال الرواية: «ثورة 25 يناير عملها الشباب وسرقها الإخوان، و30 يونيو برضك عملها الشباب والشعب وأيدها الجيش.. لكنها اتسرقت من الشباب مرة ثانية». فى الأخير، أتمنى عزيزى القارئ أن تقرأ الكتابة بالمشرط التى هى رواية لها من اسمها نصيب كبير، وأرجو من د.إيمان يحيى، الإنسان النبيل، والروائى الذى ولد كبيرا أن يواصل إبداعاته لأنى على ثقة ومعرفة أن لديه تجارب إنسانية هائلة ووعيا رفيعا يمكناه من إضافة الكثير إلى الرواية العربية.