نشرت، أمس، صرخة الصديق «ياسر شعبان» التى لخص فيها حال مئات بل آلاف المثقفين والمبدعين ما بين إنكار الأهل وتجاهل الدولة وتلاعب الناشرين، فشعبان مثله مثل الملايين من شباب البلد لو يستوعب فكرة أن هناك من لا يرضى بمبلغ 15 ألف دولار راتبا شهريا وأن هناك مئات الطيارين الذين تقدموا باستقالتهم من شركة مصر للطيران لأن هذا الراتب لا يعجبهم، وحركت تلك الأخبار شجونه المشتعلة حول استفادته من «الأدب» الذى احترفه منذ أكثر من عشرين عاما، فشعبان مثله مثل مئات المثقفين ترك كل شىء واجتهد ليحفر اسمه فى عالم الأدب والرواية والترجمة، وسنة بعد سنة تراكمت أعماله الإبداعية وأصبح من الأدباء المعروفين فى الأوساط الثقافية والأدبية، لكن للأسف تتجمد هذه الدائرة عند هذا الحد، فالأدب فى بلدنا يعامل وكأنه «قلة أدب» والثقافة تعامل وكأنها «نجاسة» وطبيعى وفق هذا الوضع أن يموت الأدباء كل يوم كمدا وحزنا إلا من رحم ربى أو من وفق أوضاعه ليضبط بوصلته على جوائز الخليج.
فجر شعبان العديد من القضايا، منها علاقة الأديب بوسائل الإعلام ودور النشر، وهى قضايا غاية فى الأهمية، ومن الصعب بل من المستحيل أن يستمر الوضع على ما هو عليه، ولك أن تتخيل أن جميع العاملين فى «صناعة» النشر يتقاضون مرتباتهم ويفتحون بيوتهم ويحققون أرباحهم ما عدا الكاتب الذى لن تكون هناك «صناعة» من دونه.
لا أريد هنا أن أحصر القضية فى فكرة علاقة الأدباء بدور النشر أو وسائل الإعلام، لأن القضية أكبر من هذه الثنائيات البسيطة، والمشكلة الحقيقية تكمن فى «وضع الأدب» فى المجتمع، ولا أبالغ إذا قلت إننا نضعه فى أسفل سافلين، نتعامل معه بازدواجية شديدة، نحترمه أمام الشاشات وعلى صفحات الجرائد ونحتقره فيما دون ذلك، نتغنى بمصر «نجيب محفوظ» ونترك أبناء محفوظ «الحقيقيين والمجازيين» دون رعاية أو عناية، ونترك محفوظ نفسه نهبا للنسيان والخذلان.
على الدولة، من خلال مؤسساتها، أن تعيد الاعتبار لأبنائها «ضمير الأمة» من خلال مشاريع محددة وخطط طويلة الأمد وقصيرة الأمد، فقد تركنا «نظام السوق» يتحكم فى حياتنا ويمنح أشياءنا قيمتها دون أن ندرك أن هذا النظام يطحن أحلامنا إن لم نحصنها ونعمل على زيادة قيمتها، ويوما بعد يوم وصل الأديب فى مصر أقل بكثير من سعر «عامل البوفيه» فى دار النشر التى تنشر له أعماله.
نكمل غدا.