جدد وزير العدل المستشار محفوظ صابر جدل تكافؤ الفرص والعدالة الناقصة والمساواة، عندما أعلن رفضه لتعيين أبناء الفقراء فى سلك القضاء وقال فى قناة تن: مع احترامنا لعامل النظافة إلا أن المنصب له حساسيته. نفس التصريحات التى أدلى بها المستشار أحمد على عبد الرحمن عضو مجلس القضاء الأعلى السابق فى سبتمبر الماضى، وقال إن أبناء عمال النظافة لن يتم قبولهم فى النيابة لحساسية المكان.
تصريحات الوزير و نائب مجلس القضاء وقطاع من القضاء، تكشف عن مفهوم ينسف مبادئ تكافؤ الفرص، ويكشف عن اختلال فى إحساس بعض القضاة بمفهوم العدالة، وتكافؤ الفرص، وتقدم الوضع الاجتماعى على التفوق. ويظنون أنهم أعلى من الشعب، مع أن بعضهم حصل على موقعه بتكافؤ الفرص، وهم أبناء فلاحين وعمال نظافة متفوقين. لكنهم ألغوا المبدأ وتجاهلوا أصولهم. ويكررون موضوع «حساسية منصب القاضى»، ونحن نعلم عددا من كبار السادة القضاة الآن آباءهم من عامة الشعب.
القضاة يفعلون ذلك لأن المناصب القضائية خلال العقود الأخيرة وفى غفلة من الدستور والقانون كانت بالتوريث. ولا فرق بين قضاة استقلال أو غيرهم فكلهم ورثوا أبناءهم، وأبناء الأغنياء حتى لو كان ثراء مشبوهًا.
الحقيقة أن ثورة يوليو فى الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين أتاحت تكافؤ فرص، ودخل إلى القضاء كثيرون لم يكونوا من عائلات كبرى، ومثله فى الجامعات والمناصب الكبرى، وكان عمال النظافة والفقراء يتباهون بأنهم علموا أبناءهم وأوصلوهم بجهدهم لأعلى المناصب، وساهم هذا فى تجديد النخبة بالأكثر ذكاءً واجتهادا.
المفارقة أن نفس هؤلاء سعوا لإلغاء القواعد التى رفعتهتم. وتوارثوا المناصب، فى غيبة أى قانون أو دستور، وكان يدخل ابن القاضى بمقبول، ويمنع أبناء الفقراء مهما كان تفوقهم.
وكانت قصة عبدالحميد شتا، الحاصل على دراسات عليا ولغات، وتم استبعاده من منصب دبلوماسى لمجرد أنه ابن فلاح، وانتحر «عبدالحميد» لأن لجنة القبول استبعدته، وكان فيها أبناء فلاحين وفقراء نسوا أصولهم.
اليوم وزير العدل وأمثاله لا يأتون بجديد عندما يعلنون استبعاد ابن عامل النظافة المتفوق لحساسية المنصب، ولسان حالهم يقول «لا نريد الشعب فقط أبناء القضاة»، ويمكننا أن نقدم قوائم بقضاة كبار من أصول متواضعة، وهم وأمثالهم صنعوا توريث المناصب فى القضاء والخارجية والبنوك والشرطة إلخ.
وبعضها يباع ويشترى، يجب أن يخرج مسؤول فى هذا البلد ليؤكد لوزير العدل أنه يخالف الدستور، وإذا كنا نطالب بلجان قضائية تراقب نظام التوظيف، فإننا لا نثق فى هؤلاء الذين لا يعرفون معانى العدالة وتكافؤ الفرص. بوصفه أصل العدل، وأنه لا فرق بين أبناء القضاة وأبناء الشعب. والتفوق أساس الترقى والأولوية، ويكفى ما جرى من تجريف بسبب التوريث فى المناصب والمؤسسات.