كنا قد أشرنا فى المقال السابق إلى أنه إذا كانت الجماعات الدينية السياسية تحتج فى تبرير مشروعها السياسى بأن الرسول الكريم قد مارس السياسة، وتصرف كرئيس دولة، فإن مراجعة التجربة النبوية بعلم ووعى تفند هذا التصور، ويذهب على عبدالرازق إلى ما هو أبعد من هذا حين يتساءل فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم» الذى لا يزال يثير جدلا عميقا: «كم من ملك ليس نبيا ولا رسولا؟ وكم لله جل شأنه من رسل لم يكونوا ملوكا، بل إن أكثر من عرفنا من الرسل إنما كانوا رسلا فحسب؟.. محمد ما كان إلا رسولا لدعوة دينية خالصة للدين، لا تشوبها نزعة ملك، ولا دعوة لدولة، وإنه لم يكن للنبى، صلى الله عليه وسلم، ملك ولا حكومة، وإنه صلى الله وسلم لم يقم بتأسيس مملكة بالمعنى الذى يفهم سياسة من هذه الكلمة ومرادفاتها، ما كان إلا رسولا كإخوانه الخالين من الرسل، وما كان ملكا ولا مؤسس دولة، ولا داعيا إلى ملك.. القرآن صريح فى أن محمد، صلى الله عليه وسلم، لم يكن له من الحق على أمته غير حق الرسالة».
وربط الإسلام بالسلطة السياسية يقود إلى إنتاج «الدولة الدينية»، وهى مصطلح يثير مخاوف فى الفكر السياسى المعاصر، نظرا لأنه «يعطى الدولة احتكار تفسير النص الدينى، مما يجعلها مالكة للسلطة الإلهية الكامنة فى هذا النص، وهى سلطة مطلقة بطبيعتها، ومحصنة بعقوبات تصل إلى حد الموت.. وبذا تكون الدولة قد جمعت فى قبضتها بين السلطتين: السلطة الطبيعية للدولة فى ذاتها، وسلطة التفويض الضمنى السماوية»، حسبما ذهب عبد الجواد ياسين فى كتابه «السلطة فى الإسلام: نقد النظرية السياسية».
وحين نتعرض لطبيعة دور الرسول، صلى الله عليه وسلم، علينا أن نفرق بين «القيادة» و«الرئاسة» فالأولى ذات طبيعة اجتماعية، وهى تتأسس على سمات وصفات لدى شخص تلقى قبولا عند الجماعة التى ينتمى إليها، فيخلعون عليه مهابة واحتراما وحبا، من دون تقيد رسمى حياله، ولا سلطة رسمية له عليهم، أما الثانية فذات منحى رسمى، يرتبط وجودها بوجود منصب، ولا يحظى من يشغله بالضرورة حبا واحتراما ومهابة، وليس له من طاعة على الناس إلا بمقتضى ما يوفره له المنصب من صلاحيات، وأعتقد أن وضع الرسول الكريم كان وضع «القائد» فى المسلمين، وليس وضع الرئيس، وأن تصرفاته السياسية كانت بنت القيادة وليست نابعة من الرئاسة.
من أجل كل هذا فلا تقدم حقيقيا من دون تحقيق هذا التمييز، الذى لا يعنى فصل الدين عن السياسة، فهذا طرح نظرى من الصعب تطبيقه إذ إن السياسة والدين يهبطان ويصعدان معا ويلتقيان فى كل الثقافات والمجتمعات والحقب التاريخية فى مفاصل عديدة ومتفاوتة القوة، إنما يعنى التمييز التام بين الدين والسلطة السياسية، فلا يتحول الدين إلى أيديولوجيا، ولا يزعم أى حاكم أن سلطته مستمدة من الله، ولا يستغل الدين فى الدعاية السياسية، أو يكون مجالا للصراع بين المتبارين فى المجال السياسى.
د. عمار على حسن
تمييز الدين عن السلطة السياسية وتخليص الإسلام من«خنجر مسموم«2-2»
الأربعاء، 13 مايو 2015 11:21 م
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
اسكندرانى اصيل
فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية
عدد الردود 0
بواسطة:
اسكندرانى اصيل
فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
يا بتوع الطائفيه والتكفير .. السياسه مثل الفريك لا تقبل الشريك
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبد العظيم
التيارات المحافظة و التقدمية .
عدد الردود 0
بواسطة:
Aly
الاسلام والقيادة