أسهل تبرير يمكن أن نستند إليه هو الجهات السيادية أو الجهات العليا، فهى الشخص المجهول الذى يقف وراء كل شىء، دون أن نعرف حقيقته أو أسباب تدخله.. فالجهات العليا هى التى توقف البرامج التليفزيونية وهى التى تأمر بمصادرة الصحف، وهى التى تتلاعب فى الانتخابات وقوانينها، وهى التى تفعل كل شىء فى البلد، كل ذلك يحدث من الجهات العليا دون أن نعرف ماهية هذه الجهات.. كل ما نعرفه عنها أننا فى الإعلام نحملها مسؤولية كل شىء. طبيعى أن تكون هذه الجهات إما رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء أو الأجهزة الأمنية العادية منها والسيادية، لكن ما ليس طبيعيا أن نطلق اللفظ على كل شىء ليفقد معناه، كما أنه ليس من الطبيعى أن يخرج إعلامى ويتباهى أمام الجميع بأن إحدى الجهات تدخلت لمنع شىء ما فى وسيلة الإعلام التى يديرها، وأنه استجاب لهذا الطلب، رغم أن هذا التباهى لم يكن مألوفاً فى الماضى، فعادة كانت تحدث تدخلات فى الإعلام، لكن أمام أنها تظل فى طى الكتمان، أما إذا خرجت للعلن، فإن الإعلام فى هذه الحالة يخرج منتصراً، لأنه فى الغالب يرفض الاستجابة لهذه التدخلات، ويظهر فى صورة البطل، حتى إن انتهى الأمر إلى غلق الجريدة نفسها، لذلك فإن فكرة التباهى التى يعمل بها البعض هذه الأيام بوجود تدخلات من جهات عليا فى الإعلام، وأنهم يستجيبون لهذه التدخلات، تدعونى للتشكيك فى مثل هذه الروايات من أساسها.
أتشكك فى الأمر لأنه إذا كان رئيس الجمهورية، وهو الجهة الأعلى فى الدولة، لا يضيق بما يكتب أو يقال فى وسائل الإعلام، فمن هى الجهة التى تعتبر نفسها أعلى من الرئيس، وتقوم بتصرفات تحرجه وتحوله إلى عدو للحرية والإعلام، وإذا كان الرئيس لم يتدخل لمنع من يهاجمونه فى الداخل والخارج، خاصة من كانوا فى معسكره قبل أن ينقلبوا عليه، فهل سيضحى بمسمعته ويطلب منع يسرى فودة أو ريم ماجد من الظهور، رغم أن كل الإحصاءات تقول إن نسب مشاهدتهم وصلت لدرجات متدنية جعلتهم يفكرون فى طريقة تقديمهم لبرامجهم، أظن أنه لا وجود لهذه الجهات العليا، وأن الأمر لا يخرج عن كونه حلقة ضمن سلسلة إحراج الرئيس والنظام، أو أنه مناورة لكسب جماهيرية أكثر لبعض وسائل الإعلام التى فقدت الكثير من رصيدها فى الشارع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة