فى نفس هذا الوقت منذ سنوات طويلة وفى موسم الامتحانات كنت كلما فشلت فى حل سؤال كتبت بين قوسين (مخدنهوش) أو (معرفوش). كنت ولازلت أعتقد أن التصريح بالجهل أفضل بكثير من (الفَتىِ) وإعطاء إجابات مفبركة مفزلكة على أساس أن السامع أهبل أو مجنون. لذلك كنت أتوقع أن يجيب علينا معالى وزير التموين بإجابة منطقية مقنعة أو يقول (مخدنهوش) بدلا من أن ينزلق فى إجابة خائبة. معاليه قال: «إن الدولة تلتزم بمعايير السوق الحرة، لافتا إلى عدم تدخل الدولة فى عمليات التسعير ومشيرًا فى الوقت ذاته إلى مساعى الوزارة لضبط الأسواق من خلال فروع المجمعات الاستهلاكية» وبالطبع جاء هذا التصريح ردا على الملايين الذين يولولون ويلطمون من غلاء أسعار المنتجات الغذائية. معاليه رمى المصيبة على العالم والسوق الحرة وخرج منها كالشعرة من العجين. وكأن دور الدولة الوحيد هو عدم التدخل فى الأسعار، ولكن مواجهة الاحتكار ودعم المنافسة والمزاحمة فى الأسواق (مخدنهاش) لذلك يتحكم فى سوق المواد الغذائية مائة رجل أعمال على أعلى تقدير. دولة تعدادها يقترب من المائة مليون يتحكم فى تغذيتهم هذا العدد الضئيل من رجال الأعمال، ناهيكم عن احتكار بعضهم لشركات صناعة الأسمدة والمبيدات واستيراد البذور وهذا سبب رئيسى فى غلاء كل المزروعات الغذائية. هؤلاء المليارديرات هم سبب الغلاء والتضخم سيادة الوزير وليس الخضرى والفاكهانى وبائعة الجرجير.
شركات التعبئة والتغليف وصناعات الألبان التى تحتكر أكثر من 80% من القوة الشرائية للسوق هى التى تولع فى الأسعار وليس الفلاحين المساكين و«البقالين» البسطاء، وفى النهاية معايير السوق العالمية ليست مقدسة، ويمكن بسهولة وضع حد أقصى للأرباح، كما تفعل فرنسا وبعض دول الاتحاد الأوروبى بحيث لا يزيد الربح عن 50% من تكلفة المنتج الأصلية، ولكن أن نترك المحتكرين مثل الحيتان العملاقة تنمو وتتضخم على أمثالنا من السمك الصغير فهذا لا يعجب السوق الحر ولا السوق المتكتف. ثم يؤسفنى أن أصرح لمعاليك بأن أسعار المجمعات الاستهلاكية التى تراهن بها للحد من غلاء السوق أغلى من بعض محلات بيع الجملة أو الهايبر ماركت، وأن الخضار المعروض بتلك المجمعات بالكاد يكفى احتياجات العاملين فيها، معالى الوزير الإجابة الصحيحة تحتاج إلى مجهود ضخم لمواجهة الاحتكار ودعم الاستثمار فى الصناعات الغذائية لضمان المنافسة والتزاحم ومتابعة الأسواق وإنشاء بورصات سلعية، أما اللف على المجمعات الاستهلاكية ورمى البلاء على السوق العالمية فهذه إجابة (خزعبلية).
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة