هناك حرب ضد الإسلام.. بل هناك حروب يخوضها الإسلام لتصويب مفاهيمه ومساره، و«فضّ ارتباطه بالعنف».. وهكذا تتباين وتتعدد قراءات الواقع، مما دفعنى للاتصال بالسيد وزير الأوقاف الذى أكد أن غير الحاصلين على شهادة أزهرية استُبعدوا عن اعتلاء منابر المساجد، واشترط حصول الداعية على شهادة أزهرية، كما حُظرت صلاة الجمعة بالزوايا التى تقل مساحتها عن 80 مترا، وغيرها من الإجراءات الاحترازية، ويستبعد غالبية المصريين وصف ما يجرى حاليًا بأنه «حرب على الإسلام» فيقولون إنها حرب ضد الإرهابيين الذين يسعون لاختطاف الإسلام ولو فرضنا صحة هذه الفرضية فإنها تعنى أن كل من يؤيدون الرئيس السيسى علمانيون، وهذا بالطبع خطأ، ويتساءلون مستنكرين: هل شيخ الأزهر ووزير الأوقاف والمفتى علمانيون؟
ويرى مراقبون أن توظيف الدين بالصراع السياسى الراهن «واقع مُعاش»، فلو تأملنا الخطاب الدينى لأنصار «الإخوان والسلفيين» فسنجدهم لا يهاجمون الأزهر صراحة، لكنهم يركزون هجومهم على «المنهج الأشعرى» دون مهاجمة الأزهر كمؤسسة للسلطة، وربما يكون هدف هجومهم فتح المجال لتيار جديد كالسلفية والأفكار القطبية، ليكون السائد بهذه المؤسسة، خاصة فى ظل اختراق حركات الإسلام السياسى لبعض الأزهريين.
وهناك تقديرات لمراكز دراسات رسمية تشكل معملاً للأفكار Think Tanks أكدت فداحة خسائر الإخوان شعبيًا بعد تورطهم بالعنف، مما منح السلطات المصرية فرصة تاريخية لتوجيه ضربة قاضية لهذا الفصيل الذى لن يحيى سياسيًا بعد تحييد المنابر وإخضاعها لوزارة الأوقاف، للتصدى للحشد الدينى الذى كان يستغله الإخوان بسيطرتهم على آلاف المساجد لأنها أقوى أدواتهم، وتجتذب أنصارًا جددا يجرى تمويلهم وتدريبهم. وتمضى الدراسة محدودة الانتشار لتوصى باستثمار معارضة قطاعات واسعة من المجتمع لممارسات الإخوان بالإسراع فى تأسيس «دولة مدنية ديمقراطية»، ففى هذه اللحظة الفاصلة يقتضى الأمر رؤية واضحة لدى جميع الأطراف المشاركة فى رسم ملامح «خريطة المستقبل» وسنّ «منظومة قانونية حاسمة»، لإقصاء «الفاشية الإخوانية» تمهيدًا لترسيخ جمهورية جديدة عنوانها: سيادة القانون، والالتزام بمنظومة الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية، مع احترام الهوية الدينية بمجتمع يلعب فيه الدين دورًا يستحيل تجاهله.
تبقى أخيرًا ضرورة استلهام تجربة العنف الدامية فى مصر والمنطقة منذ 1991م حتى 1998م، سبعة أعوام من الصراع الدموى بين قوى الأمن وجماعتى «الجهاد»، و«الجماعة الإسلامية»، ورصدت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وهى منظمة غير حكومية، أن 1357 شخصًا من الأمن المصريين والجماعة الإسلامية ومدنيين مصريين، قتلوا فى تلك المواجهات، لكننا حاليًا حيال موجة إرهابية جديدة، تحول خلالها الإرهاب من أزمة محلية لحرب إقليمية، وتوفير تمويل وتسليح وملاذ آمن للإرهابيين الجدد بالعراق واليمن وسوريا وليبيا وغزة وغيرها، الأمر الذى يُشكّل تحديًا إقليميًا بالغ الخطورة ويُهدد حاضر ومستقبل المنطقة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة