أشرت من قبل إلى أن الإخوان حين واجهت عاصفة التكفير فى السجون بعد كتابات سيد قطب، وظهور تيار تكفيرى كان يقوده فى الواقع إخوانى أزهرى شقيق للشيخ عبدالفتاح إسماعيل الذى أعدم مع سيد قطب هو الشيخ على عبده إسماعيل، ولكنه ترك الفكر التكفيرى الذى حمله من بعده شكرى مصطفى الذى أسس فيما بعد جماعة التكفير والهجرة والتى أطلق عليها «جماعة المسلمين». فى ظل صعود منطق التكفير وأن الدولة التى تعذب المسلمين فى السجون، وتترك اليهود فتسعى لإقامة علاقات معهم، وعمل حساب لمعتقليهم، كان هناك معتقلون يهود مع الإخوان فى السجون يعاملون بشكل أفضل منهم، ليست دولة مسلمة، وأن الحاكم كافر، وأن الجاهلية أطبقت على العالم، وأن من لم يكفر الكافر فهو كافر، وكان ذلك يعنى دورة تكفير مروعة جعلت الإخوان يكفر بعضهم بعضا فى السجون، وأحدث انشقاقات دامية وخصومات وملاسنات ومواجهات عاتية. فى ظل ذلك الصعود للمنطق التكفيرى، قام المرشد الثانى للجماعة حسن الهضيبى بإعلان موقف الجماعة من تلك الظاهرة التكفيرية بكتابة كتاب هو موجز للمناقشات التى جرت فى السجن بين منطق الذين يتبنون الفكر الخوارجى التكفيرى وأولئك الذين يتبنون فكر أهل السنة والجماعة الذين لا يكفرون مسلما نطق بالشهادتين وعمل بمقتضاهما بذنب ما لم يستحله، أى أن جرح الإيمان والإسلام بالمعاصى لا تذهب أصل الإسلام والإيمان، ويبقى من يفعل ذلك مسلما بحق شهادة أن لا إله إلا الله، ذلك الكتاب هو «دعاة لا قضاة» ويعنى جوهر الكتاب بأن دور المسلمين فى مجتمعاتهم هو الدعوة وليس تنصيب أنفسهم حكاما على الآخرين يحكمون عليهم بالتكفير والخروج من الملة.
بيد أن موقف جماعة الإخوان المسلمين من العنف والانفتاح عليه لم يحظ بنفس الصرامة والموقف الذى لا لبس فيه ناحية التكفير، صحيح سوف نجد تصريحات أو بيانات حول العنف تنبذه وتنكره، بيد أنه ليس هناك مؤلف يناقش تاريخ العنف فى الجماعة وأسسه ومنطلقاته وقتها ويجرى مراجعات حقيقية حول ذلك الموقف، بل ظلت أقوال حسن البنا مؤسس الجماعة ضمن رسائله والتى تقول حين يكون منكم معشر الإخوان ثلاثمائة كتيبة جهزت نفسها روحيا بالإيمان والعقيدة وفكريا بالعلم والثقافة وجسميا بالتدريب والرياضة، فى هذا الوقت طالبونى أن أخوض بكم لجج البحار، وأغزو بكم كل عنيد جبار، ويقول البنا فى موضع آخر، إن القوة شعار الإسلام فى كل نظمه وتشريعاته، وفى موضع آخر يقول: «إن الأمة التى تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب الله لها الحياة العزيزة».
حين خرج محمود غزلان صهر خيرت الشاطر والأمين العام السابق للجماعة، وعضو آخر مكتب إرشاد للجماعة، وقت أن كان مرسى يحكم البلاد فى مقال له بموقع «نافذة مصر الإخوانى» عنوانه «بمناسبة مرور سبعة وثمانين عاما على تأسيس الجماعة دعوتنا باقية وثورتنا مستمرة»، وفى مقاله أشار إلى أن أعضاء من جماعة الإخوان يتجهون للعنف ويمارسونه وأن الجماعة منهجها الثابت الذى لا يتغير هو السلمية والبعد عن العنف، وبمطالعة ردود الأفعال على المقال فى الموقع الإخوانى تتأكد لنا حقيقة حدوث تغير فى هوية الجماعة نحو تبنى العنف من قبل غالب شبابها، باعتبار أن منهج الجماعة السلمى لم ينتج شيئا، وعلى الصعيد نفسه يتحدث أحمد منصور الذى شن حملة من قبل على قيادات الجماعة المتصلبة والتى تتخذ من مقاعدها وجاهة، وأنه لا بد من محاسبة تلك القيادات على خط خياراتها، ويمضى ليقول هذه المرة، إن بديع ليس مؤهلا للقيادة، وإن قوله إن سلميتنا هى أقوى من الرصاص انحراف عن مسار البنا الفكرى، والذى يقول شعار الجماعة الذى وضعه إن الموت فى سبيل الله أحلى أمانينا، وإن الجهاد سبيلنا. مأزق الجماعة الآن هو كيف ستحدد خيارها من العنف، وقد بدت الأمور تفلت من القيادات
القديمة، ومن الواضح أن خيار العنف له أنصار شداد داخل الجماعة، سيصبح السؤال: الجماعة التى حرمت نفسها من بزوغ تيار إصلاحى داخلها تواجه اليوم بزوغ تيار عنف جديد، كيف ستتصرف قياداتها معه؟!
عدد الردود 0
بواسطة:
محب لوطنى مصر
حب الأوطان من الإيمان