كنت فى مكتب الناقد الراحل عبدالقادر القط، بمجلة إبداع الأولى بناء على طلبه، شابا من المنصورة يتلمس طريقه إلى الشعر منتصف الثمانينيات من القرن الماضى بكثير من الرومانسية والحماسة، عندما دخل فتحى عبدالله وصديقه الأثير الراحل أسامة خليل، غاضبين وابتدأ أسامة الحديث إلى الدكتور القط، لماذا لا تنشر قصائد فتحى؟ لماذا لا تنشر للشباب؟ لماذا تأخذ موقفا من قصيدة النثر؟ وسرعان ما بدا الغضب على الدكتور القط الإنسان الرقيق الذى لا يتحدث مع أى مبدع بدون نزع الألقاب، يا أستاذ أسامة المجلة تنشر قصائد النثر الناضجة فى باب «تجارب»، ويمكن أن تتفاهموا مع الأستاذ عبدالله خيرت مدير التحرير.
انتهى الحوار سريعا، لكنى تعرفت منذ تلك اللحظة على فتحى عبدالله وتزاملنا لسنوات فى مجلة القاهرة برئاسة تحرير غالى شكرى، قبل أن تفرقنا المصائر ووجهات العمل، لكنى لم أفقد الصلة بمنجزه الشعرى، وظللت أتابعه منذ ديوانه الأول «راعى المياه» وما تلاه من دواوين، «موسيقيون لأدوار صغيرة»، و«سعادة متأخرة»، و«الرسائل عادة لا تذكر الموتى»، بما يشكله من نغمة متفردة وسط أبناء جيله الذى تلا ما يعرف اصطلاحا بجيل السبعينيات.
منذ قصائده الأولى وحتى قبل ديوانه الأول صنع فتحى عبدالله قطيعته مع قصيدة الرواد التى امتدت من الخمسينيات إلى أواخر الستينيات، كما صنع قطيعته مع شعراء السبعينيات الذين مثلوا تجربة جمالية شكلانية فى خطوطها العريضة، ولم تقدم إلا رافدا ضيقا من خيال أحمد طه وحلمى سالم وعبدالمنعم رمضان ومحمد صالح لم تستطع أن تصنع تأثيرا حقيقيا فى الشعرية المصرية والعربية، ظل فتحى عبدالله منذ ديوانه الأول أمينا لقصيدة تعتمد الحلم والمحبة أساسين جوهرين لها، الحلم لصناعة مشهد خارجى سوريالى فى علاقاته الجزئية والكلية ومشهد داخلى ينصت إلى موسيقى سرية تؤاخى بين شظايا الكون وغرائبه ومتناقضاته، فليس غريبا إذن أن يجمع فتحى عبدالله بين مفردات الكاوبوى والقرية والمدينة والكائنات الفضائية وأفلام الرعب، فى القراء الأولى تشعر بالتنافر بين العلاقات التى تقوم عليه قصيدة فتحى عبدالله، لكنك عندما تبدأ الإنصات فى قراءات تالية، تكتشف السلك الجامع بين المتناقضات، إنها المحبة العميقة الباطنية للعالم وما يموج به من معرفة وحركة وأصوات وحياة تتجلى فى أحلام الشاعر ليضعها بأمانة المؤرخين بين ثنايا الكلمات.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى النجار
انت محترم