حينما دعيتُ إلى تلك الدعوة الكريمة لحضور مؤتمر "تعزيز السلم فى المجتمعات المسلمة"، عادت بى الذاكرة إلى زمن سحيق، قرأنا عنه جميعنا، عندما فقد الإنسان السلام ودخل الخوف والحسد إلى البشرية وتمت أول جريمة قتل عندما امتدت يد أخ على أخيه لتقتُله؛ ومنذ ذٰلك الحين والإنسان فى رحلة الحياة دائم البحث عن السلام.
والسلام ليس رفاهية فى المجتمعات أو العالم، بل هو أساس ظهور الحضارات وتأسيسها على الأرض؛ فالاستقرار الذى يحققه السلام يحرك الإنسان ويجذبه إلى البناء واستخدام طاقاته نحو الإعمار؛ وهو أيضـًا يدفع بعجلة تقدم المجتمعات ورقيّها إذ يكون الهدف الأسمى آنذاك للإنسان هو الارتقاء بحياة الإنسان لا الهدم والدمار! لذٰلك، قال داوُد النبيّ: "اُطلب السلامة، واسعَ وراءها." ومن هنا نجد أن على الإنسان، لا أن يطلب السلام فقط، أى أن يكون السلام على سبيل الأمنيات والآمال فى حياته، بل أن يسعى بكل وسيلة وأسلوب للحصول عليه.
إن السعى نحو السلام هو رسالة حقيقية فى حياة الإنسان، لا تتحقق من خلال كلمات أو شعارات بل بعمل وتعليم وتوجيه، يقدِّمه من خلال تصرفاته ليصبح أنموذجـًا يقتاد به الآخرون، وتظهر أهمية العمل على السلام فى المواقف التى تمر بالإنسان فى مختلف أمور الحياة. يقول غاندى: "إذا أردنا أن نحقق السلام الحقيقى فى العالم، فعلينا أن نبدأ بتعليم الأطفال"؛ وهٰذا حقيقيّ، إلا أن التعليم يقف عند حدود الفَهم والعقل فقط لدى الطفل دون التنفيذ، إن لم يصبح سلوكـًا حياتيـًّا يراه فى حياة من يعلِّمه.
وتحقيق السلام لا ينبَع أبدًا من العنف فى أى أسلوب من أساليبه أو صوره؛ فكما قيل: "السلام لم يأتِ أبدًا عن طريق إلقاء القنابل.
السلام الحقيقى يأتى عبر تنوير الناس وتثقيفهم وتعليمهم أن يتصرفوا بأسلوب خُلقى مقدس.". وهٰكذا، صارت المبادئ والخلق النابعة من التعاليم المقدسة هى أساس لزرع السلام فى حياة البشر.
ويُدرِك أهمية السلام أولئك الذين حُرموا منه فى حياتهم، سواء بسبب مشكلات أو حروب، فكما ذكر الكاتب الإنجليزى "وليَم شكسبير": "من خلال أشواك الخطر نحصل على زهور السلام"؛ فمن أدرك الخطر وعاشه، عرَف معنى السلام وقيمته وسعى له بكل ما أوتى من إمكانات وقوة.
إن السلام طريق حياة، علينا أن نُدرك أنه لا محالة من السير فيه إن كنا نرسم لأنفسنا خطًى نحو النجاح والارتقاء والحفاظ على الوجود الإنسانى؛ فالبقاء لا يعتمد أبدًا على استخدام العنف والقوة، لأن الدمار لا يخلف وراءه سوى دمار وبشر تناسَوا أنهم بشر! فـطوبى لصانعى السلام، ولكل من يبحث ويُنشِد نغمات السلام فى حياة البشرية.
• الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسيّ.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
اديب عطا الله
كل شيء في مصر يتغير الا اضطهاد الاقباط مستمر علي طول