الافتكاسة تعبير عامى مصرى يعنى طرح فكرة مبتكرة أو أنشاء مشروع جديد قد يكون مفيدًا أو يؤدى إلى نتائج كارثية أو على الأقل هزلية، وفى حالة عيد الإعلاميين أعتقد أنه افتكاسة مصرية هزلية بامتياز، لأنه لا وجود لمثل هذا العيد فى أى دولة ديمقراطية أو متقدمة، كما أن اختياره جاء غريبا وعجيبا، استندت افتكاسة عيد الإعلاميين إلى بداية بث الإذاعة المصرية الحكومية فى 31 مايو 1934، وهو يوم تاريخى مهم بلاشك، لكن لايمكن اعتباره عيدا، وإنما على العكس فهو يوم للتضيق على حرية الإذاعة وبداية الاحتكار الحكومى لموجات البث الإذاعى وقمع حريته، كيف؟ يقول التاريخ الرسمى الذى يدرس لطلبة كليات الإعلام إن مصر عرفت الراديو فى منتصف العشرينيات من القرن الماضى، فظهرت عشرات الإذاعات الأهلية التى أطلقها وأدارها اصحاب المحلات والمقاهى للترويج لبضاعتهم، علاوة على بعض الأفراد لأسباب مختلفة، وإن هذه المحطات الضعيفة الإرسال والمتواضعة فنيا وهندسيا تحولت إلى منصات لإطلاق الشائعات وتبادل الشتائم بين أصحاب المقاهى والمحلات، طبعا لا يمكن للحكومة أن تسكت على هذه الفوضى، فأعلنت عام 1932 احتكار حق إنشاء وإدارة المحطات الإذاعية، وأوقفت كل الإذاعات الأهلية فى 29 مايو 1934، وأطلقت الإذاعة المصرية فى 31 مايو 1934 الذى أصبح فيما بعد عيد الإذاعة المصرية، ثم تحول إلى عيد الإعلاميين على يد صفوت الشريف، أى أن الرجل هو صاحب الافتكاسة، وهى واحدة من افتكاساته الفاشلة التى دمر بها الإعلام المصرى.
أنا وأقلية محدودة من أساتذة وخبراء الإعلام نرى أن قرار احتكار الحكومة للبث الإذاعى كان كارثة، فقد أوقف التطور الطبيعى للإذاعة كممارسة اجتماعية، يمكن أن تبدأ بأخطاء وتجاوزات، كما حدث فى كل دول العالم، لذلك أصدرت هذه الدول تشريعات إعلامية وأنشئت هيئات مجتمعية لتنظيم البث الإذاعى وضمان عدم وجود تجاوزات للقانون، من دون أن تغلق الإذاعات الأهلية أو تقصر حق البث الإذاعى على الحكومة، فتصبح الإذاعة المصرية رغم دورها التنويرى المهم تابعة للسلطة السياسية وأداة للحشد والتعبئة، بينما يحرم المجتمع الأهلى من حق إطلاق وتشغيل محطات للراديو، ولو التزمت الحكومة المصرية بالنهج المعمول به فى العالم فى مطلع الثلاثينيات ونظمت البث الإذاعى ووضعت اشتراطات مالية وفنية لاستمرار عمل المحطات الأهلية، مع إطلاق محطة حكومية رسمية لكان حال الإذاعة والتليفزيون مختلفا، ولكان لدينا إذاعات أهلية مستقلة وإذاعات حكومية، ولابد هنا أن نتذكر أن احتكار الحكومة للإذاعة فتح الطريق وبرر للحكومة احتكار البث التليفزيونى الذى بدأ فى مصر عام 1960.
قناعتى أن العيد الحقيقى للإعلام هو يوم أن يتحرر الإعلام من تبعية السلطة السياسية ومن تبعية رجال الأعمال ووكالات الإعلان، وأن يكون لدينا فى ماسبيرو إعلام خدمة عامة حقيقى يموله الشعب من الضرائب والرسوم التى تفرض بشكل طوعى وتدريجى يتناسب مع شرائح استهلاك الكهرباء، إضافة إلى دعم سنوى من البرلمان، هذا الإعلام الذى نأمل فى وجوده ليس حلما وإنما هدف يمكن تحقيقه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة