آلاف من السجناء من الشباب المصريين داخل السجون، هؤلاء محبوسون احتياطيا على ذمة قضايا لم يجر البت فيها بسرعة حتى الآن، بعضهم طلاب وشباب حديث السن قادته الظروف السياسية فى البلاد بعد ثورتين إلى أن ينخرط فى أعمال ذات طابع سياسى لأسباب متصلة بمحاولته التجريب أو الاكتشاف، ولقلة خبرته تم القبض عليه وأودع فى السجن. إننى أدعو إلى أن تتم مراجعة ملفات من لم يثبت أن له علاقة بتنظيمات أو أنه عضو فى جماعة معينة، أو أنه كان عضوا ويحاول الآن أن يتحرر من عبء تلك التنظيمات ليعيش حرا بعيدا عن الاستلاب والتهميش الذى تفعله تلك الجماعات والتنظيمات لأعضائها.
أعرف أن البلد يمر بتحديات كبيرة اقتصادية وسياسية وثقافية ومجتمعة، بيد أن التحدى الأمنى هو التحدى الأكبر لها وخاصة ذلك الشباب الذى يقوم مدفوعا بالجهل والاستغلال له للقيام بعمليات ضد مؤسسات الدولة ورموزها بل ومحاولة الذهاب إلى المؤسسات الخدمية مثل قطاعات السكة الحديد وأبراج الكهرباء، ومحاولة ضرب المؤسسات الاقتصادية، هذا التحدى الأمنى يحتاج إلى مواجهته باليقظة والشعور بالمسؤولية والعمل على تطوير المؤسسة الأمنية وتدريبها وفى نفس الوقت تأكيد معنى المسؤولية والولاء والانتماء لدى الشعب المصرى. فى نفس الوقت فإن هذا التحدى الأمنى لا يجعلنا نشعر بالتهديد الذى يشل قدرتنا على اتخاذ قرارات مسؤولة تجاه من يتأكد أنه ليس عضوا فى جماعة أو فى تنظيم وأنه لم تثبت عليه تهمة محددة فى ارتكاب أعمال عنف.
وأنا شخصيا أعتقد أن معيار الحبس الاحتياطى على ذمة قضايا هو معيار مقبول للنظر فى ملفات المحبوسين احتياطيا دون أن يتم تقديمهم لمحاكمات تتم فى شأن الاتهامات الموجهة إليهم، التوسع فى الحبس الاحتياطى والتحفظ على قطاعات لا بأس بها من الشباب الصغير ليس حلا لمشكلة الأمن أو منع العنف، بل إنه ربما يقود إلى تعميق الأزمة وليس حلها خاصة وأن هؤلاء المحبوسين من الشباب تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة، وهى سن فعلا تحتاج لمعالجة خاصة تفرض علينا حماية هؤلاء الشباب من توفير مناخ داخل السجن لهم للانخراط فعلا فى مجموعات «عنفية»، نحن نريد أن نمنع ذلك، خاصة أن هؤلاء الشباب سيحدث لهم تحول وقناعات مختلفة ستدفعهم إلى العودة لمجتمعاتهم بعيدا عن التنظيمات والجماعات التى تسطو على شبابنا وتحول بينهم وبين مجتمعاتهم للعيش بأمان فيها داخل أسرهم وداخل جامعاتهم ومدارسهم وأنشطتهم المختلفة. إننى واجهت السجن وقد كانت سنى صغيرة، ولم تكن أفكارى قد تبلورت نحو قضايا كثيرة مما كنا نثيرها ونرفعها، وقد راجعت تلك الأفكار سريعا، أظن أننى بدأت مراجعتها فور دخولى السجن، وفى عالم السجن شهدت كيف أن السجن يمكن أن يكون مكانا للتطرف والعنف، كما يمكن أن يكون مكانا للمراجعة وتأمل ما فعله الإنسان وكيف فعله؟
أنا واضح جدا نريد أن نأخذ بيد من يراجع نفسه ويقرر أنه يريد العودة لمجتمعه وناسه، ولدينا مسؤولية أخلاقية تجاه أولئك لحمايتهم والأخذ بأيديهم، وأقترح أن تفتح السجون حوارات مع من يريد من هؤلاء الشباب العودة لمجتمعه وأهله، ومن يقول إن ذلك سيكون خداعا، فهذا ليس صحيحا لأن من يعلن عن ذلك فعلا ويكون مستعدا لإعلان رفضه لمنهج العنف ومواجهة الدولة والعودة لمجتمعه يؤشر لجديته، والخوف من عودتهم للعنف مرة أخرى لا تجعلنا نتردد فى الحوار معهم، لأن التجربة قالت إن أغلب من راجعوا التزموا بمراجعاتهم، يجب علينا أن نبدأ حوارا مع هؤلاء الشباب فى السجون دون خوف أو تردد ونفتح الباب لهم لخيارات جديدة تحررهم من ظلام السجن وظلام الأفكار التى ستنمو داخل نفوسهم بسبب ما يعتبرونه ظلما وقع عليهم.