أحب شعر عماد أبوصالح، لأنه قريب إلى الروح ورائق، ولا يبحث صاحبه عن شىء آخر غير الشعر، منذ ديوانه الأول أمور منتهية أصلا سنة 1995، وحتى ديوانه الجميل الذى صدر قبل أيام «على نفقته الخاصة» «كان نائما حين قامت الثورة» يعزف الشاعر لحنا شجيا يلمس بداخلك العصب البعيد الذى يسور الألم، فى دواوينه الثمانية كان يعبر عن أنصع تجليات الشعر الإنسانى فى مصر، بدون ادعاءات وبدون إسراف، عن الأرواح الهائمة التى تنظر إلى ما آلت إليه الأحوال بأسى، عن الجيل الذى يعرف كما قال يسينين لعماد فى وداع ماياكوفسكى: «إنه ليس جديدا فى الحياة أن نموت، وليس جديدا بالطبع أن نعيش».
عبر عماد عن المنسيين والوحيدين والمتشردين، بلغة لا تخلو من وسامة، لغة لا تتزين أمام المرآة حرصا على الموسيقى المألوفة، «كان نائما حين قامت الثورة» كان وحيدا وحرا «بينما الثوار هناك يشيعون جنازة الحرية» كما يقول، فى مديح الفراغ يقول «لا أحتاج أشعارا ولا لوحات ولا كتب فلسفة ولا تاريخ، أريد أن أبقى خفيفا، خاويا، أو، على الأصح جاهلا».
أنت أمام شاعر كبير حزين وغاضب، تفرح وأنت تقرأ شعره لأنه سبقك لاكتشاف طريقة قنص مختلفة فى تضاريس مألوفة، يقول فى قصيدة متسول:
أنا مجرد متسول
لكننى
خدمت الثورة
أكثر من الثوار أنفسهم
كيف؟
خدمتها بعدم مشاركتى
بقيت جالسا على هذا الرصيف أمد يدى للعابرين
مددتها بحماس
بإخلاص وخسة
بكل خبرتى فى الوضاعة
أنا لا أحلم بحياة أفضل
ولا أهجر مهنتى
يروح ديكتاتور
ويجىء ديكتاتور
وأنا ثابت فى مكانى
سلالتى طويلة
لى أجداد فى الماضى
وأحفاد فى المستقبل
أنا الباقى
أنا الخالد
أنا الواقع من قاع الثورات
أنا حارس الأمل
فى الثورة القادمة