يُجَن الأغنياء من كثرة أملاكهم ويُجَن الفقراء من كثرة احتياجهم، لذلك فرق كبير بين جنون العظمة وجنون «العضمة»، فالعظمة إحساس خادع بامتلاك كل شىء و«العضمة» إحساس الجائع الذى يرضى بأى شىء، وانتشر منذ أيام مقطعا فيديو على مواقع التواصل الاجتماعى والأخبار يوضحان الفرق بين النوعين، المقطع الأول انتشر تحت اسم سيدة المطار وهى امرأة أربعينية تبدو عليها معالم الثراء وقوته اشتبكت مع ضابط شرطة حينما عثر معها على كمية كبيرة من المخدرات، وأخذت تهدد الضابط ومن معه بأنها ابنة فلان وبأنها ستحطم المطار فوق رأسهم وضربت الضابط بيديها على صدره، وهى تسأله فى وقاحة وتحدٍّ «عاوزنى أضربك تانى؟ عاوزنى أتف عليك تانى؟» وتهديدات بألفاظ أخجل من نقلها فى مقال، والضابط كان يرد عليها فى حزم واحترام بأنه يمثل الدولة ولا يمثل شخصه، مما حفزها أكثر على الانفعال والتهديد وكأنها أكبر من البلد وما فيها.
المشهد الثانى لسواق تاكسى عجوز وغلبان تظهر على وجهه وملامحه مرارة الفقر والأيام، بينما يقود سيارة الأجرة التى يعمل عليها صدمته سيارة ملاكى لأحد ضباط الشرطة والذى كان يسير عكس اتجاه الشارع واشتبك ضابط الشرطة الشاب مع سائق التاكسى العجوز حتى إنه كلبش يد السائق العجوز «بالكلبشات الميرى» فى التاكسى وتجمع الناس ليدافعوا عن الرجل الذى وقف فى ذهول وخوف دون أن ينطق رغم الظلم الشديد الذى تعرض له، بل إنه طلب من الناس أن يتحدثوا مع الضابط برفق ولا يغضبوه «لأنه عجوز مش حمل بهدلة»، هذا يا سادتى الفرق بين جنون العظمة وجنون العضمة بين فئة تعيش بيننا وكأنها آلهة الإغريق يمتلكون كل شىء ويتحكمون فى كل شىء بلا رقيب أو حسيب، هم المخلوقات المختارة المهجنة بين المال والسيطرة، بين القدرة والمراقبة، بين الجانى والقاضى، اعتادوا على الفجر «ببجاحة» وكل من حولهم ينحنون فى أدب وخوف وجوع حتى أصابهم الجنون وظنوا أنهم أعظم من العقاب وأكبر من الدولة، وهذا هو العجوز الغلبان الذى علمته قسوة الأيام أن لا فرق فى مصر بين الظالم والمظلوم إنما الفرق بين القوى والضعيف، هو يعرف جيدا كيف ينحنى ويتحمل مهما تألم، يعرف أن قيمة «الأجرة أو العضمة» التى يعيش بها هو ومن يعول أهم بكثير من الكرامة وأخذ الحق، فحقه الوحيد هو أن يحاول أن يعيش.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
Sherif Hosny
تقصد حثالة المطار
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
أحسنت مقال رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
احسنت