حرص الفنان محمد رشدى فى سرد مذكراته لى- بدأت فى ذكر بعض ما جاء فيها منذ أيام- على تذكيرى بأن المنافسة بينه وبين عبدالحليم حافظ فى ستينيات القرن الماضى كانت لأجل الفن، يقول: «كل واحد فينا كان همه كله فى أغنية جديدة يكسر بها الدنيا، وقصتى مع عبدالحليم هى قصة بحث، تمايز، تنافس، محبة، احترام».
يعيدنى «رشدى» إلى البدايات مع عبدالحليم، يذكر واقعة حدثت بينهما قبل شهرتهما، يقول: «كان فيه انتخابات لمجلس النواب، وكان «فريد زعلوك» مرشح فى الدائرة عندنا فى دسوق عن حزب الوفد، وكنت أنا من فريق الدعاية له، أقوم بغناء كلمات تشجيع له، ومن شدة تجاوب الناس معها قال فى يوم: اعمل حسابك لو نجحت هساعدك فى دخول معهد الموسيقى، ولما نجح نفذ وعده فعلا».
حمل محمد رشدى عوده وبدأ رحلة السفر من دسوق، يقول: كنت فى محطة الزقازيق أنتظر القطار إلى القاهرة، كان عودى معى، وفجأة سمعت صوتا ينادى: «يا فنان»، التفت، وجدت شابا نحيلا لونه يميل إلى السمرة، وعينه فيها حاجة، بتقول حاجة، فيها مسحة حزن، وفى العموم هو كان فيه حاجة تشدك ناحيته، قلت له: «نعم»، سألنى: شايل عودك ورايح فين؟ قلت له: رايح مصر «القاهرة»، سألنى: تبقى مستنى القطر؟ قلت له: آه، قال لى: خلاص كده هنبقى مع بعض، أنا اسمى عبدالحليم شبانة، وأعمل هنا مدرس موسيقى فى مدرسة أيتام، قلت له: وأنا محمد رشدى ورايح القاهرة عشان أتقدم لمعهد الموسيقى.
كان شقيقه إسماعيل شبانة له بعض الأغانى وقتئذ، ولم يكن عبدالحليم حافظ وقتئذ معروفا، وكان يقيم فى القاهرة مع شقيقه الفنان إسماعيل شبانة، وفى رحلة القطار، وكما يقول رشدى: «اتعرفنا على بعض أكتر، قال لى كل ظروفه، وأنا قلت له كل ظروفى، هو اشترى «سميط ودقة وترمس»، وأكلنا، وقال لى: دى عزومتى عشان نبقى أكلنا عيش وملح سوا، على فكرة عبدالحليم كان كريم جدا، وإيده بترمى خير».
أسأل محمد رشدى: تفتكر الكلام اللى حصل مع عبدالحليم وأنت فى القطار؟، يجيب: «احنا كنا ولاد عمرنا، أنا وهو لسه فى بدايتنا، لكن كل واحد منا كان بيحلم هيكون إيه، وكان عبدالحليم من يومه نموذج فى التحدى، فى رحلة السفر هو اتكلم عن نفسه يبقى إيه، وأنا اتكلمت عن نفسى أبقى إيه».
وصل الاثنان إلى القاهرة، توجه كل منهما إلى حال سبيله، أعطى عبدالحليم لرشدى اسم ووصف المقهى الذى يجلس عليه، وأكد عليه ضرورة اللقاء، واستعد رشدى لمرحلته الدراسية الجديدة.