محمد عالى

منتدى تعزيز السلم.. وأمل أمة

الجمعة، 08 مايو 2015 08:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ مدة وأنا أبحث بين ركام المنازل وأشلاء البشر عن فسحة أمل أتنفس فى فضائها عبق دين الرحمة والتسامح بعيدًا عن رائحة الجثث المتناثرة وأصوات القنابل العبثية والرصاص الطائش والفتاوى الملتهبة.

أعود لكتب التاريخ الإسلامى والسيرة النبوية فأجد أن المسلمين قد نجحوا فى ضرب أروع الأمثلة على انسجام أبناء الأمة الواحدة أيام كان النبى صلى الله عليه وسلم بينهم، لأنه علمهم أن يكونوا جسدًا واحدًا يتداعى لأعضائه وبنيانًا مرصوصًا يشد بعضه بعضًا.

وحين أواصل القراءة تستوقفنى لحظات صعبة فى تاريخ الأمة الإسلامية ابتعدت فيها عن النموذج النبوى لما ينبغى أن تكون عليه الدولة الإسلامية، غير أننى لم أجد فيما أطلعت عليه مشهدًا أكثر تعقيدًا ومأساوية من واقعنا الراهن.

فحين تتحدث كتب التاريخ والسيرة عن "الصراع" أو "القتال" أو "الجهاد" فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم فإن الحديث ينصرف تلقائيًا إلى الصراع مع الآخر المعتدى على دار الإسلام. فقتال المسالم غير المحارب كان مرفوضًا فى دولة النبوة فمن باب أولى أن يأذن فى قتال من جمعتهم أخوة الدين!! وكلما لاحت بوادر فتنة لنزعة شيطانية أو لرواسب جاهلية كان الرد الصارم المصدق بالوحى منه صلى الله عليه وسلم "دعوها فإنها منتنة".. أبدعوى الجاهلية وأنا بينكم؟".

وهكذا دلت النصوص اليقينية قطعية الدلالة والورود على حرمة كل من صدق فيه وصف الإسلام فى دمه وماله وعرضه، فالنبى صلى الله عليه وسلم يقو: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).

بينما نلاحظ أن أغلب الأسلحة الإسلامية اليوم إنما توجه إلى صدور مسلمة.. فى هذا الواقع المعقد كنت أبحث عن أوجه التشابه بين ما أشاهده عبر وسائل الإعلام وما أقرؤه عن الدولة الإسلامية فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم، لأعرف أين يجب أن أتموقع؟ فلم أجد وجها للمقارنة إلا بقية أمل وخير فى من يتمسكون بثوابت الدين ويؤمنون بضرورة مراعاة مقاصد الشرع، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وينأون بأنفسهم عن استباحة الدم الحرام.

فقلت لنفسى هم القوم لا يشقى بهم جليس. نعم هم من يقفون فى تلك الفسحة التى أشار لها الحبيب صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح: "لا يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِى فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا".

ذلك فعلاً ما بدأت أشعر به وأنا أراقب الجهود الحثيثة لعلم وعالم من علماء الأمة الإسلامية هو فضيلة الشيخ د.عبد الله بن بيه حفظه الله.

كنت أستمع لدروس الشيخ ومحاضراته على "اليوتيوب" وكأننى أستمع لحشرجته وأشعر بألمه ومعاناته ثم طالعت كتابه "أمالى الدلالات ومجالى الاختلافات" ففهمت فكره ونهجه وتعززت قناعتى أكثر بأنه مجدد هذا القرن بمطالعة ما كتبه فى الاقتصاد وفقه الواقع والأقليات...إلخ

وعندما بدأ فضيلة الشيخ رحلته الميمونة بحثا عن مسوغات السلم والعافية، بدلاً من مبررات الفتن والحروب الجاهلية عازما أن يكون إطفائيا لا يسأل عمن بدأ- وإنما يحاول أن يطفئ الحريق سالكًا طريق السلام فى "منتدى تعزيز السلم فى المجتمعات المسلمة" عندها قررت أن أسير فى ركبه.

ويقينى أن القواعد المعلومة التى قامت عليها الدولة الإسلامية فى عهد النبوة ستظل الأمل الوحيد للأمة المسلمة، التى أثبت تاريخًا أنه بقدر ما تعود الدولة لتلك القواعد والقوانين -تفعيلاً- بقدر مـا تصبح الروابط التى تجمع أهل الإسلام ومواطنى الدولة الإسلامية أعظم وأكبر من أن تنال منها الخلافات النظرية أو تؤثر فيها نـزعات النفس البشرية والمصالح السياسية.

ولا يجد الدارس للتاريخ الإسلامى مشقة كبيرة فى الخروج باستنتاج مفاده: أن قوة الأمة الإسلامية وقدرتها على تأدية الدور المطالبة به شرعا تكمن فى وحدتها وتماسكها ولذلك نجد أن قوة الخلافة صاحبها تراجع المد البيزنطى فى حين تزامن ضعفها مع الاكتساح الصليبى والمغولى لدار الإسلام.

فأكبر خدمة يمكن أن نقدمها لأعداء الأمة -إذن- هى أن نفترق ونتعصب للتفرق والتجزئة، وأجزم أن الأمة الإسلامية بما تمتلكه من مقومات الوحدة قادرة على خلق تصالح داخلى قائم على احترام التنوع والاختلاف الفكرى والنفسى والاجتماعى لأفرادها، المنسجم مع نواميس الكون.

غير أن غياب الحوار كوسيلة لإحياء إمكانية التواصل على المستوى السياسى والفكرى بين مختلف القوى فى الدولة الإسلامية خلق حالة من رفض حقيقة التنوع الفكرى الموجود، والاختلاف فى وجهات النظر السياسية. فعدم إيمان بعض القوى الإسلامية بالجلوس على الأرضية المشتركة والحوار الجاد فى تحقيق الوحدة الإسلامية، جعل الأمة تبتعد تدريجيا عن مكانها الطبيعى فى التفاعل الحضارى وتنصهر فى الصراعات الداخلية الأمر الذى قدم للعالم صورة مأساوية عن دين الرحمة والسلام. بينما خلقت الحالات النادرة لهذا الحوار فرصة للتوحد والاصطفاف جنبا إلى جنب لتحقيق المشروع الإسلامى الجامع.

ومن الجميل جدًا أن كل الفرق الإسلامية على اختلاف مذاهبها ظلت متمسكة بانتمائها لهذا الدين وتلك الرابطة الجامعة فرغم تباينها الواضح اتفقت على أركان الدين الرئيسية: أى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وأن محمدا رسول الله وأركان الإسلام من شهادة وصلاة وزكاة وصوم وحج.. إلخ
ولسائل أن يسأل: أليس فى اتفاق تلك الفرق إشارة واضحة على وجود أرضية مشتركة صالحة لزراعة السلم وتعزيزه فى أوطاننا ليكون الحصاد أمن ورقى وازدهار؟

هنا يمكننى أن أجيب وبضمير مرتاح بعد ما وفقت لحضور الملتقى الثانى لمنتدى تعزيز السلم فى دولة الإمارات العربية وليس من رأى كمن سمع !!

بلى وتلك رسالة منتدى تعزيز السلم فى المجتمعات المسلمة قرأها الجميع حين كتبت بالخط العريض فى لوحة رائعة مدادها: عزة عالم وتواضع أمير وأمل أمة.

• أكاديمى موريتانى.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة