لن أطمح للوقوف كثيرا على ما رصده المجلس القومى لحقوق الإنسان من انتهاكات وتجاوزات وصلت لدرجة فقدان الأرواح، ولن أناشد أنه لابد من معاقبة المسؤولين عن ذلك طوال عام مضى، وضرورة إرساء دولة القانون على الكل سواسية، وإعلاء قيم حقوق الإنسان التى مضت عليها مصر فى العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية، فأعلم كل العلم أننى وغيرى ناشدنا وطالبنا بذلك كثيرا، ولكن لا حياة لمن تنادى. ولا شىء سيغير سنة كاملة رصدت انتهاكاتها فى تقرير أعتقد أنه سيكون تقريرا تاريخيا غير مسبوق من المجلس الحالى لحقوق الإنسان، والذى أعتقد أن هذا المجلس أصبحت أيامه معدودة، وبخاصة بعد هذا التقرير، وبعد الغضب العارم للداخلية، وبعد سلسلة الاتهامات والتخوين لأعضائه التى أصبحت رد الفعل الطبيعى والفورى لأى رأى مخالف لما تقوم به الدولة، وقد ابتذل استخدام التخوين التلقائى لدرجة أنه أصبح دلالة على افتقار من يطلقها، وعدم قدرته على الرد الموضوعى المنطقى بالأدلة والبراهين.
فقط سأحاول أن أقف عند بعض توصيات هذا التقرير، فلن تتيح لى المساحة أن أنوه عن كل التوصيات واختيارى التركيز على التوصيات، لأن هدفها المستقبل وتنشد التغيير القادم للأفضل، وهذا ما نطمح له ويطمح له المجلس القومى لحقوق الإنسان، فلا أرى لهذه التوصيات غير المصلحة العامة لمصر أفضل، فالمجلس ليس له خصومة مع هذه المؤسسة أو تلك، ولا سيعود عليه النفع المباشر إذا تم تطبيق هذه التوصيات، ولتتذكر السلطة الحالية أن إشعال فتيل الثورات فى المرحلة السابقة فى الوطن العربى كان بسبب انتهاكات حقوق الإنسان بدأ من بوعزيزى مرورا بخالد سعيد.
ومن أهم التوصيات التى تتفق مع أهم الانتهاكات التى اعترف بها مسؤولو وزارة الداخلية أنفسهم بل وحولوا ضباطا من الأمن الوطنى للمحاكمة بسببها هى التعذيب الذى أسفر عن الوفاة فى حالات عدة، فشملت التوصية على مد نطاق جناية التعذيب، بما يتفق مع اتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب ودستور 2014، ليضم تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف أو بغرض انتقامى، أو تصفية حسابات، أو مجاملة بعض أصحاب النفوذ. ومن أهم التوصيات تعديل القانون رقم 107 لسنة 2013 بشأن تنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والتظاهرات السلمية وفقا لاقتراحات المجلس لضمان اتفاقه مع دستور 2014 والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ويتضمن التقرير التعديلات المراد الأخذ بها حتى يصبح القانون دستوريا، فلماذا التعنت، ولماذا التجاهل، ولماذا الإصرار على اعتبار دستور 2014 حبرا على ورق، ولماذا الإصرار على حبس شباب بقانون باطل دستوريا ولمصلحة من؟!
التوصيات شملت أيضا مجالات حرية الرأى والتعبير وتداول المعلومات، والحق فى محاكمة عادلة، وأهمها وضع حد أقصى للحبس الاحتياطى فى جميع الجرائم، فهل يعقل أن يصل الحبس الاحتياطى فى إحدى الحالات إلى 500 يوم دون محاكمة بسبب تيشرت «لا للتعذيب» للطفل محمود أحمد! هذا بجانب حقوق السجناء والمحتجزين ومكافحة الإرهاب والحق فى الصحة والتعليم والعمل والحق فى التنمية ومكافحة الفساد. فلماذا الصمت على هذه التوصيات؟ من المستفيد من تجاهل توصيات للمجلس القومى لحقوق الإنسان؟ لماذا الإصرار على انتهاك حقوق الإنسان فى ظاهرة جديدة هذه الأيام وهى الاختفاء القسرى، والتى شملت إسراء الطويل، وعمر محمد على، وصهيب! لماذا الإصرار على الانتقام فقط، وفقط على حساب دولة القانون والدستور؟!