محمد فودة

محمد فودة يكتب.. منصب شيخ الأزهر.. لا قداسة لأحد!

السبت، 13 يونيو 2015 05:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أدهشتنى وأثارت فضولى تلك الجرأة غير المسبوقة التى تحدث بها الشيخ خالد الجندى عن مشيخة الأزهر فى حواره مع الإعلامى الكبير عمرو أديب، خلال برنامجه المتميز «القاهرة اليوم» بقناة اليوم، فقد تضمنت تصريحاته رأيًا حادًا وصادمًا بشأن آلية تولى منصب شيخ الأزهر، مما يستوجب الإسراع فى إعادة هيكلة المؤسسة الدينية، مطالبًا باختيار شيخ الأزهر عن طريق الانتخاب وليس التعيين كما يحدث الآن، فاستمدت تصريحات الشيخ الجندى قوتها الحقيقية حينما قام بإلقاء حجر كبير فى بئر راكدة، فأحدث حالة من الحراك والجدل والنقاش الذى بلغ ذروته فى هذا الهجوم الممنهج الذى شنته «كتيبة المشيخة» الإعلامية ضد كل من يحاول الاقتراب من «مشيخة الأزهر» ولو بكلمة نقد، وكأنها منطقة محظورة تحمل لافتة تقول «ممنوع الاقتراب» من منصب الإمام الأكبر، علمًا بأن تلك التصرفات التى تصدر من بعض مستشارى السوء فى هذه المؤسسة الدينية العريقة لا يسيئون لأنفسهم فقط، بل يسيئون للمشيخة بالكامل، وهو أمر يدعو للتساؤل: لماذا يتمسك فضيلة الإمام الأكبر بتلك النوعية من المستشارين الذين يشكلون خطرًا حقيقيًا على ما يقوم به هو شخصيًا؟

وهنا أتوقف طويلاً أمام هذه المسألة، حيث أرى أنه لا قداسة لشخص، و«لا أبدية» فى هذا المنصب الرفيع المستوى، فلابد أن يصبح الجميع تحت مظلة النقد مادام اتسم بالنقد الإيجابى الذى لا يهدف إلا للصالح العام.. فمن واقع تجربة شخصية عشت تفاصيلها المفزعة بعد أن كتبت من قبل محذرًا من تلك العناصر التى تدير المشيخة فى الخفاء، خاصة تعاملها الذى يتسم بالبطء فى تنفيذ توجهات الدولة بشأن تجديد الخطاب الدينى، فما أن نشرت هذا الرأى الذى كنت ومازلت على قناعة تامة به فى قضية تجديد الخطاب الدينى، وعدم مواكبة مشيخة الأزهر لهذا التوجه العام للدولة، حتى فوجئت بسيل من الهجوم على شخصى وصل فى بعض الأحيان إلى حد التجريح، بل اتهامى بالتجاوز فى حق فضيلة الإمام الأكبر، فتبرع بعض أصحاب الأقلام التى تخطب ود المشيخة للقيام بالدفاع عن فضيلة شيخ الأزهر، محرفين كلامى الذى قصدت منه إلقاء الضوء على الخلل داخل المشيخة، وعن سيطرة أصحاب المصالح الذين هم معروفون بالاسم، ولم يعد أمرهم خافيًا على أحد، ووصفوا ما كتبته بأنه اتهام موجه إلى شخص فضيلة الإمام الأكبر، بل ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك، مفسرين ذلك بأنه انحياز لفضيلة الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، علمًا بأن الجميع يعلم جيدًا أن الدكتور جمعة نفسه ينحاز انحيازًا كاملًا للإمام الأكبر، ويتعامل معه باعتباره الأستاذ والوالد.. وهنا يكمن العجب من تلك السهام المسمومة التى يطلقها البعض نحوى بلا مبرر، وهم يحاولون التلميح بأن لى مصلحة فى كلامى الإيجابى عن فضيلة الدكتور مختار جمعة، فالرجل لم يتردد لحظة فى فعل كل ما هو من شأنه تجديد الخطاب الدينى، فضلاً على تلك الحرب الشرسة التى خاضها فى وزارة الأوقاف لتطهيرها من العناصر الإخوانية، ومن أجل إعادة الاعتبار إلى بيوت الله التى كان يسيطر عليها أصحاب الأفكار المتطرفة، ويعلم الله تعالى أننى لم تكن لى أى مصلحة شخصية مع أى مسؤول فى الدولة، حيث كنت قد عاهدت الله الانحياز دائمًا للصالح العام.

والأمر الذى يدعو إلى الدهشة أيضًا أنه فى الوقت الذى يضيق فيه صدر المشيخة من النقد، نرى رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى وهو يتناول نواحى القصور فى مؤسسات الدولة بكل شفافية وصدق، مطالبًا الشعب بأن ينتقدوه، و«يحاسبوه» حال تقصيره فى أداء واجبه، فى إشارة منه إلى أنه لا أحد فوق النقد، ولا يوجد شخص فوق المساءلة، حتى وإن كان هذا الشخص هو رئيس الجمهورية، بل وصل هذا الأمر إلى حد انتقاد الرئيس أداء الحكومة، ورئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب الذى أراه يستحق توجيه الشكر له على ما يبذله من جهود متواصلة، بدلًا من توجيه النقد، لأنه يستحق عن جدارة لقب «البلدوزر».. وعلى الرغم من انتقاد الرئيس له على الملأ، ووسط حضور إعلامى كبير، فإنه لم يضق صدره بالنقد، ولم يتعامل مع الأمر على أنه تقليل من جهوده التى يبذلها ليل نهار، بل نظر إلى المسألة من زاوية أخرى، فاستطاع أن يحول نقد الرئيس له إلى طاقة إيجابية يستمد منها الإصرار على العمل، والمضى قُدمًا نحو تنفيذ الكثير من المشروعات، لذا فإننى أراه بالفعل أحد أهم من جلسوا على كرسى رئاسة الوزراء، مما يدعونى إلى التساؤل: هل مشيخة الأزهر ترى نفسها أنها فوق النقد، وأكبر من المساءلة؟، وكيف يصبح انتقاد ما يجرى داخل المشيخة، وفضح توجهات بعض مستشارى «الشيخ» بقدرة قادر كأنه جريمة كبرى، وتجاوز فى حق فضيلة شيخ الأزهر شخصيًا على الرغم من أن «المشيخة» شىء، وفضيلة الإمام الأكبر شىء آخر، ولكن أصحاب القلوب السوداء المملوءة بالغل والحقد يتلاعبون بالألفاظ ويخلطون بين الزيف والحقيقة؟

أعود إلى مسألة فى غاية الأهمية، وهى إعادة النظر فى الآلية التى يتم من خلالها تولى منصب شيخ الأزهر، وهو ما أشار إليه بكل جرأة الشيخ خالد الجندى بقوله «لا قداسة لأحد»، بل ذهب بعيدًا برفضه القاطع لتلك المادة التى تنص على الأبدية فى منصب شيخ الأزهر، مما يدعونى إلى التضامن معه فى الرأى، مطالبًا السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى بضرورة استغلال سلطاته الرئاسية، والتوجيه بهيكلة هذه المؤسسة الدينية العريقة، وهو ما يستوجب أن يتم انتخاب هيئة كبار العلماء عن طريق العلماء، وبالتالى فإننا فى هذه الحالة نضمن أن يأتى من يتولى منصب شيخ الأزهر بالانتخاب عن طريق هيئة كبار العلماء.

وحينما ننظر إلى مسألة إعادة النظر فى أبدية منصب شيخ الأزهر نضع أيدينا على الخلل فى تلك المنظومة، لأنه- وببساطة شديدة- قد يترتب عن التعامل مع منصب شيخ الأزهر باعتباره منصبًا أبديًا خلق مناخ غير صحى على الإطلاق، خاصة أن بعض المحيطين بالإمام الأكبر نجدهم فى كثير من الأحيان يتصرفون بقصد وبدون قصد، وهم يشعرون بأنهم فوق المساءلة، فهل هذا «التقديس» والتعامل مع الأمر باعتباره منصبًا أبديًا يستمر مدى الحياة يعطى الحق لأن تتعامل «المشيخة» مع المجتمع على أنها منطقة مقدسة، ومن يحاول المساس بها إما أن يكون خارجًا عن حدود اللياقة، أو خائنًا للدين، علمًا بأن ما يفعله بعض المحتمين بعمامة الأزهر من تصرفات وأفعال وأقوال غريبة وصادمة يسىء إلى الدين أكثر من أعداء الإسلام أنفسهم، وإن لم يكن الأمر على هذا النحو فبماذا نفسر وقوف هؤلاء المحيطين بالشيخ ضد توجهات الدولة التى تستهدف فى المقام الأول تجديد الخطاب الدينى؟!

إننى على قناعة تامة بأننا فى أشد الحاجة الآن إلى إعادة النظر فى هيكلة المشيخة، وأن يأتى الإمام الأكبر بالانتخاب، وأن يكون المنصب محدد المدة، وأن نلغى من مفرداتنا مسألة «أبدية» البقاء فى المنصب، لإعطاء الفرصة لضخ دماء جديدة فى هذا المنصب الرفيع المستوى، وكلنا نعرف أن مصر ولّادة، ومليئة بالعلماء الأفاضل الذين يستحقون الجلوس على كرسى المشيخة، كما أرى أيضًا ضرورة النظر بعين الاعتبار إلى معطيات العصر الحديث من مفردات لم تكن موجودة من قبل، فلا يعقل أن تظل نظرتنا إلى مشيخة الأزهر وطريقة تولى منصب الإمام الأكبر كما كانت منذ أكثر من مائة عام، فقد تغيرت ملامح الحياة الآن، وأصبح لزاماً علينا أيضًا أن نضع تلك الأشياء فى حجمها الحقيقى، وهنا يجب أن يعرف من يتوهمون أنهم فوق المساءلة أن زمن الانغلاق على الذات قد ولى بلا رجعة، وأعتقد أنه لن ينصلح الحال إلا إذا اقتنع بعض المتشددين بأن من يقوم بتوجيه النقد إلى المشيخة فهذا لا يعنى التقليل من شأن هذه المؤسسة، أو الانتقاص من حجمها فى خدمة الإسلام والمسلمين.

أتمنى أن يتسع صدر الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ويتقبل فكرة الرأى والرأى الآخر، فمن حقى كمواطن قبل أن أكون كاتبًا أن أعبّر عن الرأى الذى أقتنع به، حتى لو كان هذا الرأى يتعلق برفض فكرة التعامل مع منصب شيخ الأزهر على هذا النحو من الحساسية المفرطة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة