فى كل دول العالم توجد قوانين وهيئات تنظيمية لضبط منظومة الإعلام والإعلان، عدا مصر، من هنا جاءت فوضى الإعلام والإعلان، وأهم مظاهر الفوضى والخلل فى مجال الإعلان وجود خمس وكالات تهيمن على سوق الإعلان فى الصحافة والإذاعة والتليفزيون، وهؤلاء الكبار يتدخلون بشكل غير مباشر فى مضامين وبرامج أى قناة تليفزيونية أو موضوعات أى صحيفة. وأربع وكالات من الخمس الكبار يمتلكها أفراد، بعضهم يمتلك صحفًا أو قناة تليفزيونية، أو يترأس حزبًا، أما الوكالة الخامسة فتابعة للدولة، وهى وكالة الأهرام للإعلان، أى أن هناك تداخلًا واضحًا بين الإعلان والإعلام والسياسة، وهو وضع خطير، يتطلب حلولًا سريعة لضمان حرية الإعلام ومهنيته واستقلاله عن نفوذ وكالات الإعلان الخمس وسطوتها، والتى بدورها تنحاز لصالح المعلنين، أى رجال الأعمال.
طبعًا هناك عشرات الوكالات الصغيرة التى تعانى من سيطرة الحيتان الخمسة، وبعضها يحاول الصمود والتحدى من خلال وسائل غير مشروعة، أشهرها حاليًا بيع الإعلانات على قنوات الأفلام المقرصنة، أو ما يطلق عليها «قنوات بير السلم» التى تبث من خارج مصر، وعلى قمر فرنسى قريب من مدار نايل سات، وهو ما يتيح التقاط هذه القنوات بسهولة، واقتحام كل بيت، وتقدر تلك القنوات بحوالى 70 قناة، وبلغ سعر دقيقة الإعلان فى هذه القنوات 5 جنيهات فقط لا غير! بينما يصل السعر فى أى قناة مصرية عامة أو خاصة 20 ألف جنيه على الأقل. أى أن الفارق هائل، لذلك اتجه كثير من المعلنين على السلع والخدمات الشعبية لتلك القنوات، مما أنعش بعض شركات الإعلان الصغيرة التى تبيع إعلانات القنوات المقرصنة، وشجعها على تحدى إمبراطورية الكبار الخمسة فى مجال الإعلان.
لاشك أن قنوات بير السلم تخنق السينما المصرية، وقد تقضى عليها إذا لم نجد حلولًا سريعة، كما أن إعلانات قنوات بير السلم تهدد إمبراطورية الإعلان، فهى تؤثر بالسلب على دخلها، وتقلص من هيمنتها على السوق، مع ملاحظة أن قنوات التليفزيون الحكومية حرمت من الإعلانات تقريبًا بسبب حروب الأسعار التى شنتها الوكالات الخمس، علاوة على بيروقراطية القطاع الاقتصادى، وبيروقراطية برامج تليفزيون الحكومة، وانصراف قطاعات كبيرة من الجمهور عن مشاهدته.
إذن هى حرب الصغار على الكبار، وهى حرب غير أخلاقية، لأن قنوات بير السلم تسرق حقوق ملكية الأفلام والكليبات، ومن المتوقع أن تسرق حقوق ملكية وبث كثير من مسلسلات رمضان، وتذيعها فى توقيتات متقاربة مع القنوات التى اشترت حقوق بثها. والمعلنون يعرفون أن قنوات بير السلم سارقة، لكنهم يبحثون على مصالحهم وعن الأرخص، والمشاهدون يعرفون كل ذلك، لكنهم يبحثون عن مصلحتهم، وعن نوع من المتعة والترفيه المجانى، صحيح أنهم يشتكون من طول وسخافة إعلانات قنوات بير السلم، لكنهم يتحايلون على ذلك بتقليب الريموت بين تلك القنوات، ومتابعة أكثر من فيلم مسروق.
لابد من وقف كل هذه الفوضى، فلا يمكن القبول بهيمنة خمس وكالات واحتكارها السوق، وتهديدها حرية الإعلام وتنوعه، ولا يمكن أيضًا أن يكون البديل بفوضى وسوقية إعلانات قنوات بير السلم.. باختصار، رسالتى هى ضرورة التحرك وبسرعة، وحسم وقف الفوضى والانفلات واللاأخلاقية فى مجالين مرتبطين، هما الإعلام والإعلان، وكفانا سكوتًا وتعايش قلق مع هذه الفوضى غير المسبوقة فى تاريخ مصر، وفى تجارب كل دول العالم للتحول من إعلام سلطوى إلى إعلام ديمقراطى يعتمد على إعلام خدمة عامة قوى وجذاب، وإعلام خاص يمتلكه أفراد وشركات، والكل يعمل ويتحرك وفق قوانين وضوابط مجتمعية ومهنية ومواثيق شرف إعلامية وإعلانية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة