بعد مضى عام على حكم السيسى كثر الحديث، كالعادة، عن ما يسمى بكشف الحساب للعام الأول. وبالطبع فهذا شىء طبيعى، خاصة بعد الظروف المتشابكة والمعطيات الملتبسة فى الواقع المصرى منذ 25 يناير وحتى الآن، ولكن هذا التقييم لهذا العام الأول يجب ألا يتم على طريقة ما يعرف بعملية الجرد السنوى أو إعداد ميزانية مؤسسة أو شركة اقتصادية لمعرفة مقدار المكسب والخسارة المادية والرقمية، فنحن هنا إزاء دولة بحجم مصر بتاريخها وأمام تحديات وصعاب ومشاكل متراكمة عبر عقود وفى مواجهة حرب، بل حروب متعددة داخلياً وخارجياً لا تستهدف النظام السياسى بقدر ما تستهدف الوطن بتاريخه ومقدراته، والأهم أمام اختبار حقيقى لتحقيق الثورة على أرض الواقع بتجسيد العدالة الاجتماعية عملياً واحترام الكرامة الإنسانية واقعياً لذا يجب التقييم الموضوعى للعام الأول حتى يعد هذا انطلاقاً للأعوام المقبلة، وهذا التقييم يجب ألا يتم فى إطار الجزئيات وتفصيلاتها، ولكن فى إطار الصورة العامة والمحصلة النهائية مقارنةً بالوضع العام منذ 28 يناير وحتى تسلم السيسى للحكم. فهل النتيجة سلبية أم إيجابية؟ أو هناك تقدم بشكل عام أياً كان حجمه أم هناك العكس؟.
وعلى كل الأحوال فالسيسى قد اهتم فى عامه الأول، وبشكل عملى، بالجانب الاقتصادى للمشروعات القومية قاصداً تنشيط الشعور القومى وتنمية الانتماء الوطنى فى مقابل محاربة الفساد وزيادة الإنتاج وحل مشاكل الجماهير التى لم تخرج خارج إطار الكلام النظرى، الشىء الذى خلق إحساساً عاماً بنجاح الدور الخارجى باستعادة دور مصر العربى والدولى مع غياب دور إصلاحى حقيقى وليس ثوريا فى عملية التغيير الداخلى.
فقد اكتفى النظام بجولات رئيس الوزراء على مدار الساعة، الشىء الذى أثبت أن هذه السياسة الفاقدة لأى رؤية سياسية ترصد حجم التغيير السياسى الذى تم وحجم الآمال الجماهيرية المنتظر تحقيقها ولم تحقق، فمحلب وحكومته أثبتا أنهما لا علاقة لهما بالسياسة ولا يمتلكان أى رؤية سياسية غير الظهور الإعلامى والتصريحات الوردية امتداداً لتراث الدولة العميقة وكأن شيئاً لم يحدث حتى الآن، ولذا يصبح من المحتم أن يعلن السيسى على الشعب خطته ومنهجه فى عامه الثانى لتحقيق ما لم يتم تحقيقه فى عامه الأول خاصة فى مجال محاربة الفساد بطريقة عملية وفعلية بعيداً عن الشعارات وتكوين اللجان، فهناك حساب للمخطئ والمصيب، كما أنه قد آن الأوان لتفعيل مواد الدستور فى إطار ممارسة حرية الرؤى والتعبير والعمل السياسى القانونى لكل المواطنين بعيداً عن فوبيا التخوين التى يستفيد منها متضررو 25/30 والذين أصبحوا هم المتاجرين بالثورة تحت الادعاء بمساندة السيسى بطريقتهم النفاقية التى تسىء ولا تفيد.
نحن نحتاج الآن إلى حكومة تمتلك رؤية سياسية تدرك حجم التغيير ومقدار الآمال والطموحات وخطورة التحديات، حكومة سياسية تمتلك قدرة الإدارة الاقتصادية فى ذات الوقت فالزخم الجماهيرى الملتف حول السيسى- ولا يزال- يحتاج إلى حصانة تحميه من تقلبات المناخ السياسى وتحصنه من فيروسات الرفض الجماهيرى، والطريق الوحيد لهذا هو رؤية واضحة ومنهج وخطة معلنة ترسم الطريق لحل المشاكل وتحقيق العدالة حتى ولو بعد حين وحتى تشعر الجماهير بالمشاركة عن طريق البرلمان حتى لا يتراكم الغضب الذى لا يعلم أحد حجمه ولا وقته والترجمة لكل هذا هى أن تكون مصر لكل المصريين.