أكرم القصاص

حدوتة الميتة الصاحية.. «دموع التايم لاين»

الأربعاء، 17 يونيو 2015 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
خلال أقل من نصف يوم انقلب التايم لاين على أعقابه بعد انتشار خبر انتحار ندى، وصفت بأنها ناشطة وعازفة، شاع الخبر على فيس بوك، ووصفت الفتاة الفقيدة بأنها صديقة لناشطة انتحرت من شهور، وكانت الصورة المشتركة مشهدا دراميا، وتبادل رواد التواصل الخبر ونفخوه ولفوه ودهنوه، وحللوه وتبادلوا دموع «التايم لاين»، وهم جالسون على كنباتهم، ثم عادوا ليتبرأوا من حزنهم وكآبتهم وينقلبوا على مشاعرهم، التى لم تكن.

اندلعت التحليلات الفيسبوكية وحالات الاكتئاب المتوازى والتناضد الانفعالى مع صب الغضب على أحوال الأوضاع، وكيف تموت الزهور فى جناينها والحيتان فى بحورها والأسماك فى أنهارها، وينبرى المعلق المكتئب الباحث عن عكننة ليلعب دور «المتعكنن» المتواصل يشتم النظام والناس والوضع والمجتمع والأشياء التى تكون وحدها، لا فرق عنده بين ندا وأم حسن، كائنات تتغذى على الاندماج الانعزالى داخل شواشى البلاقع المنفثئة.

ومثل هذه الأخبار مناسبة.. من يريد مهاجمة النظام أو رمى التراب على الحكومة أو شتم الزمن والمجتمع يفعل، كل هذا وهو فى كنبته أو كرسيه أو مقهاه أو سيارته.

حادث انتحار.. طبعا تلقف الخبر أنصار النشاط الساكت بلا تمييز، لا فرق عندهم بين شائعة انتحار أو شائعة إغلاق مطعم بسبب لحم حمار، أو شائعات اختفاء نشطاء مجهولين لا نشاط لهم، ينتقل لمواقع النشر، تصبح الشائعة نصف حقيقة، ثم ثلاثة أرباع، وكل منهم يعلن التعاطف بوصفه من أصدقاء المرحومة.

ندى انتحرت ومن يزورنا يجد ما يسره، بسرعة يلبس المعلقون ملابس الحزن، ويعلنون بكل ثقة أنها تخلصت من عبء الحياة المزبهلة، ومن تعليقات المعلقين نكتشف أنهم كلهم كانوا يعرفون الفقيدة، التى تفيض انطلاقا وتوهجا وحبا فى الحياة والوجود، واتسعت المواضيع التى تعدد مناقب الفقيدة، وهى منقولة طبق الأصل من بوستات المتوتين والمفيسين والمكوكبين.

فجأة تعلن المنتحرة أنها لم تنتحر وأنها حاولت وفشلت، مع قصة عن الصدمة والهروب والديون، ينقلب نفس التايم لاين، ومن روجوا يتبرأوا، ومن هجصوا عادوا ليتراجعوا، ونرى من يحسد المنتحرة الحية على عدد الفلورز والفريندز الجدد بالمئات، ويسحبون تعاطفهم غير الموجود أصلا.

حادث المنتحرة صورة طبق الأصل من حادث الكومبارس الميتة منذ شهور، وقصص الناشطة المختفية، وأبورجل مسلوخة، الذى يخطف البنات الناشطات على «التيملاينات».

وبصرف النظر عما إذا كانت الميتة الحية قصدت أم لا، فقد كان الحدث مع غيره بتداعياته، نموذجا لتشكيل الرأى العام والتلاعب به على مواقع التواصل، التى تحوى «واحد حقيقة وتسعة شائعات» وأكاذيب فى السياسة أو المجتمع تتحول إلى مقدمات لتحليلات ومواقف جاهزة أو تفصيل. وتوتة توتة، لسه ملتوتة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة