استوقفتنى، بل أثارت اشمئزازى، تلك الحملة التى انطلقت خلال الأيام الماضية عبر موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» تحت شعار «عشان لو جه ميتفاجئش»، فى إشارة خبيثة إلى وجود بعض الجوانب السلبية فى قطاع الصحة يقدمونها إلى المهندس محلب، رئيس الوزراء، قبل أن يفكر فى زيارة أى مستشفى حكومى حتى لا يفاجأ بتلك السلبيات.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل امتلأت صفحة تلك الحملة بصور تجسد مظاهر فوضى وعدم نظافة منسوبة إلى المستشفيات الحكومية القديمة والمتهالكة، ودأب رعاة الحملة على السير فى هذا النهج وكأنهم يريدون أن يصدروا للعالم صورة سلبية بأن مصر تعيش مستنقعا اسمه المستشفيات الحكومية، وهذا ليس جديدا على مثل تلك الحملات التى نفاجأ بها من حين لآخر عبر مواقع التواصل الاجتماعى التى تحولت خلال السنوات الأخيرة، وبقدرة قادر إلى ساحات للشتائم والترويج للبذاءات وتقديم الجوانب السلبية التى لا هدف من ورائها سوى تشويه كل إنجاز حقيقى يجرى على أرض مصر لمصلحة أطراف عديدة ليست خافية على أحد.
وهنا ينبغى لنا أن ندقق النظر فى تلك المسألة، وفى أسباب ظهورها فى هذا التوقيت بالذات، ففى الوقت الذى يحتفل الشعب المصرى بمرور عام من حكم الرئيس السيسى نجد هذه الحملة قد طفت على السطح، وكأنها جاءت لهدف محدد، وهو أن تفسد على المصريين فرحتهم بما تحقق حتى الآن فى العام الأول من حكم الرئيس الذى أحبوه واختاروه بمحض إرادتهم ليكملوا معه مسيرة التنمية والبناء الحقيقية.. وكأن من يقفون خلف هذه الحملة قد استفزهم هذا النشاط الكبير الذى يقوم به الدكتور عادل عدوى، وزير الصحة، الذى يخوض الآن حربًا بمعنى الكلمة ضد الفساد والفوضى فى المستشفيات الحكومية.
واللافت للنظر أن هذه الحملة التى تتخذ شعارها وكأنها تعمل للصالح العام إلا أنها فى حقيقة الأمر ما هى إلا حلقة فى سلسلة من العمل المنظم الذى يستهدف التقليل من قيمة ومن شأن ما تحقق ومايزال يتحقق على أرض مصر، فأين كان هؤلاء الذين يقفون وراء تلك الحملة على مدى 30 عاما مضت خلفت وراءها إرثًا ثقيلاً من المشكلات المزمنة فى مجال الصحة؟ وهل ما تعانى منه المستشفيات الحكومية جاء بين يوم وليلة، وهل الدكتور عادل عدوى، وزير الصحة، النشط يتحمل بمفرده كل تلك المشكلات التى عانت وما تزال تعانى منها بعض المستشفيات، ولماذا ينظر القائمون على تلك الحملة إلى سلبيات ومشكلات ليست جديدة بل هى نتيجة تراكمات قديمة لسنوات وسنوات، أين كانوا حينما ظلت بعض المستشفيات لأكثر من 15 عاماً تعانى من الإهمال والتوقف بل تحولت فى غفلة من رقابة الدولة إلى ما يشبه المستنقع؟.. ولكن الدكتور عدوى منذ توليه المسؤولية وضع على عاتقه مهمة إعادة الاعتبار للمستشفيات الحكومية فى المحافظات وفق خطة عمل محكمة يجرى تنفيذها على قدم وساق، بل إنه تم بالفعل الانتهاء من عدد ليس قليلاً منها التى تحولت إلى قلاع طبية تنافس المستشفيات الخاصة فى القاهرة من حيث النظافة والتجهيزات الحديثة والخدمات الطبية المتطورة.
ماذا يريد أصحاب تلك الحملات «الوهمية» من وزارة الصحة؟ هل يريدونها تسير على هواهم وترضخ لطلباتهم التى غالبا تكون مجرد مطالب فئوية؟.. وهل تتحمل الوزارة مشاكل الثلاثين عاما الماضية لتقوم بحلها بين لحظة وضحاها؟ أعتقد أن تلك الحركة الدءوبة التى يقوم بها المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، ومعه الدكتور عادل عدوى، وزير الصحة، قد أغضبت «أصحاب المصالح» وأثارت أحقادهم، خاصة أنها تتم دون توقف وفى كل مكان فى جميع محافظات مصر بشكل مستمر، وهى زيارات مفاجئة بالفعل، ولنا فى تلك الزيارة المفاجئة لمعهد القلب خير دليل، فالزيارات تتم بالفعل بشكل مفاجئ، وليست على غرار ما كان يحدث من قبل حينما يفكر المسؤول فى القيام بجولة مفاجئة لزيارة أى مكان، فإن أنباء هذه الزيارة تكون على كل لسان ويعلم الجميع بموعدها، ففى زيارة معهد القلب المفاجئة شاهدنا كيف كان الدكتور عادل عدوى على قدر المسؤولية لحظة زيارة رئيس الوزراء التى كشفت عن قصور حقيقى فى هذا المكان المهم، حيث قام على الفور بمحاسبة المقصرين ولم يتوان لحظة فى حل المشكلة من جذورها.. فعلاً هكذا يكون الوزير الذى يعى جيداً قيمة الوقت فى اتخاذ القرار ويدرك أهمية أن يكون المسؤول فى قلب الحدث ليرى المشكلة بحجمها الحقيقى والتعامل معها بما يقتضيه الواقع.
ليس هذا وحسب، بل إننا إذا نظرنا إلى ما تحقق من إنجازات على مدى عام كامل فإنه تكفى الإشارة إلى تلك الطفرة النوعية فى علاج فيروس سى الذى كان يفتك بأكباد المصريين، فقد تحمل الدكتور عادل عدوى مشقة تلقيه النقد من أصحاب المصالح حينما أدخل علاج سوفالدى رغم كل تلك الحملة الشرسة التى تعرض لها، ولكنه فى النهاية ثبت فعاليته بشهادة المنظمات الدولية التى أشادت بما حققته مصر فى هذا الشأن. والعجيب فى أمر تلك الحملة «التشويهية» التى تستهدف التقليل من حجم ما تحقق ولايزال يتحقق فى قطاع الصحة أن نقابة الأطباء من بين الداعمين لها، بل تساندها بكل قوة، وهنا تكمن المشكلة، فأين كان هؤلاء الأطباء وقت أن كانت المنظومة الصحية بالكامل تتعرض للانهيار؟.. وهل الأطباء يقومون بالفعل بواجباتهم فى المستشفيات على أكمل وجه وحسب ما يمليه عليهم ضميرهم المهنى والإنسانى؟
لن أكون متجنيا على أحد إن قلت إن الأطباء أنفسهم يمثلون جزءا رئيسيا فى المشكلة المتفاقمة داخل المستشفيات الحكومية، فكلنا نعرف أن هناك نوعية من الأطباء يمثلون شريحة كبيرة منهم أطباء لا يظل أحدهم فى المستشفى طوال الوقت المحدد له، لأنه وببساطة شديدة يحاول اللحاق بعيادته الخاصة الممتلئة بالمرضى الذين لا يجدون مفراً من الذهاب إليه فى العيادة الخاصة حينما لا يكون موجوداً فى المستشفى الحكومى، وحتى أكون منصفا فإن ذلك يأتى نتيجة منطقية لضعف أجور الأطباء فى المستشفيات مما يدعونى إلى مطالبة الدولة بضرورة إعادة النظر فى أجور الأطباء وطاقم التمريض بالكامل فى المستشفيات، لأن هذا الإجراء سيكون بمثابة الضمانة الحقيقية لضبط «الخلل» فى هذه المنظومة بالكامل وإعادة الاعتبار لما تقدمه المستشفيات من خدمة صحية لا تقل فى جودتها عما تقدمه المستشفيات الخاصة أو حتى فى عيادات الأطباء.
لست مدافعًا عن الدكتور عادل عدوى، وزير الصحة، وإنما أدافع عما أراه صوابًا وعما لمسته بنفسى، لأن ما قدمته لنا حملة «عشان لو جه ميتفاجئش» ليس كل الحقيقة، بل هو جزء مبتور من الحقيقة، والغريب فى الأمر أن عددا من تلك الصور التى اعتبرتها الحملة مثالا صارخا للإهمال داخل المستشفيات الحكومية لم يتم التقاطها فى الوقت الحالى، وإنما هى مجرد صور قديمة لا وجود لها الآن بعد أن تغيرت ملامح المكان الذى التقطت بداخله، لذا فهى لا تعبر عن الواقع ولا يمكن اعتبارها عنوانًا للحقيقة.
وإحقاقًا للحق فإنه بالفعل هناك بعض الخلل فى الجهاز الإدارى داخل المستشفيات الحكومية، وذلك بسبب وجود حالات من التراخى فى الجوانب الإدارية، ولكن هذا لا يعنى على الإطلاق أن نتهم جميع المستشفيات بالإهمال، فوزير الصحة كان بالفعل قد وضع خطة محكمة للنهوض بمنظومة الصحة تضمنت وضع آليات لضبط الجهاز الإدارى، ولكن للأسف الشديد لم يتم تطبيقها كما ينبغى أن يكون، وهنا تكمن أهمية تلك الجولات التى يقوم بها وزير الصحة لأنها ستكون «الترمومتر» الذى يقاس من خلاله مستوى الأداء داخل تلك المستشفيات.. فضلا عن أنها ستكون أفضل وسيلة لفضح تلك النوعية من الحملات المضللة التى تخرج علينا من حين لآخر عبر مواقع التواصل الاجتماعى.