الانبا ارميا

"قلعة الثقة"

الجمعة، 19 يونيو 2015 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"ارتفع بعينيه إلى السماء كأنه يحمل رسالة إلى هناك: أهى رسالة محبة، أم رسالة عتاب تحمل فى طِياتها ضيق السنين وألمها التى عاشها؟! لا تستطيع أن تعرِف! وحملت أنفاسه كلمات يتمتم بها فى عقله وقلبه: «وإن لم يعرفنى أحد، فيكفينى أن تعرفنى أنت يا الله». وعلت ملامحه ابتسامة تحمل معها ارتياحـًا عميقـًا وسلامـًا لا يُنزع منه".

يقولون: "من الصعب هزيمة شخص لم يهزمه اليأس من داخله"، فالهزيمة الحقيقية التى يتعرض لها الإنسان تبدأ من الداخل. فكلما تقوَّى داخل الإنسان وصمد، استطاع أن يحقق النجاح والانتصار فى حياته مهما صادفته آلام وصعاب شديدة. إن التحدى الحقيقى إزاء ما يمر بنا فى جميع أمور الحياة ينبُع من إيمان داخلى عميق لا يهتز.

وهٰذا عكس الصراع الذى يجلُبه الشك داخل عقل الإنسان وحياته؛ فكما قيل "أعمق موضوع فى تاريخ الإنسان هو صراع الشك واليقين". فاندساس الشك خُفية فى أعماق الإنسان من جهة نفسه والذين حوله، يقود حياته إلى الدمار والتِّيه، فى دُروب متشابكة لا تصل به إلى تحقيق غايته وسعادته؛ إنه الأشواك التى تُدمى الأيدى فلا تسبب إلا الجروح والآلام.

والثقة هنا لا نعنى بها جمود الإنسان عند فكر واحد يثق به دون نموه أو تطوره، أو ذٰلك الفكر الذى يفتقد الحكمة والصدق، وإنما نعنى بها إدراك الإنسان الواقعى لذاته وللآخرين فيتمكن من فَهم المواقف على حقيقتها؛ فإن اكتشف أن ما يقال له هو "الحق" عدّل من مواقفه وخُطواته، وإن وجده خداعـًا يهدُف إلى تحطيم ثقته بنفسه سمِع، وتخطى، واستمر فى مسيرته. وقمة الثقة كما يقولون "إن تصمُت عندما يستهزأ بك الآخرون، لأنك تعرِف من أنت ومن هم"، وإن كان يجب أن يصحبها عدم اهتزاز داخلى لأنك تعامل نفسك وتعرفها حق المعرفة.

أمّا ثقة الإنسان بالآخرين، فهى تتولد وتُبنى عبر المواقف والسنين، وكما قيل "الثقة مثل قلعة الرمال: يصعب بناؤها، ولٰكن يسهُل تدميرها"! فما الحياة إلا مواقف تعبر بنا فنجد الأيدى التى تشُد من أزرنا وتساندنا فى الضعف، وتساعدنا على تخطى العقبات. وفى المقابل نجد الأيدى التى تدفعنا لأنْ تتعرقل خَطواتنا عن التقدم إلى الأمام. لذٰلك فإن أول دروس الحياة أن تعرف أولٰئك البشر الذين ستمنحهم ثقتك؛ فلا تقدِّمها إلى شخص لا يستحقها، فكما قيل "قبل أن ترسُم ثقتك على جدار شخص معين، تيَقَّن من صلابة الجدار؛ لكى لا يسقط عليك فى يوم من الأيام".، فانهيار الثقة، إذا حدث أمر يزلزل معه فكر الإنسان ومشاعره.

ولٰكن ضَع ثقتك المطلقة فى الله، وفى أحكامه وتدابيره، فهو الذى خلقك، وهو من يعرفك حق المعرفة: يعرف قدراتك التى وضعها فيك، ويعرف أحلامك، وآمالك، وآلامك، واحتمالك، وصبرك؛ يعرف ضعفك وقوتك، وفوق كل هٰذا هو يحبك لأنك صنعة يديه، وهو من يعرِف ما تحمله إليك الأيام، ويدبر كل الأمور لخيرك؛ إنه الله محب البشر.

- الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة