"ويَأْتِيْـكَ بِالأَخْبَـارِ مَنْ لَمْ تُـزَوِّدِ"..تذكرت هذا الشطر من الشعر العربى الشهير ، وأنا فى طريقى إلى الطائرة المغادرة من المنامة إلى القاهرة ، بعد رحلة استمرت 4 أيام لمملكة البحرين الشقيقة، كنت فى هذه اللحظة أودع بلدا لا يسهل فراقه.
" عندما بدأت فى تأسيس صحيفة الأيام لم أجد خيرا من مقولة الشاعر البحرينى القديم الأخطل حين قال:ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا" هكذا ببساطة أوضح لنا السيد نبيل يعقوب الحمر مستشار جلالة ملك البحرين لشئون الإعلام، المبدأ الذى أسست عليه الصحيفة التى ولدت لكى تنافس على ثقة القارىء وترفض المقامرة بسمعتها مهما كانت المغريات، ومثلما كان توضيح الحمر بسيطا، تسيطر البساطة على كل شىء فى البحرين، فشوارعها نظيفة ومعالمها واضحة صعب أن تتوه فيها، لكن يتبقى أجمل المناظر بلامنازع، هى تلك البسمة التى ارتسمت بصدق على وجه مستقبلنا فى المطار حين علم أننا من مصر.
هذه الابتسامة التى لم نتعود عليها فى كثير من البلدان التى زرناها، فسرتها لنا المهندسة أميرة الحسن، بأنها شعور طبيعى يكنه البحرينيون لكل ما يأتى من مصر،"أميرة" التى تتحرك بنشاط كبير لخدمة الجالية المصرية هناك، قالت لنا إن الناس فى هذا البلد ينفعلون بما يحدث فى مصر وكأنهم يعيشون فيها أو ينتمون لها حتى أنهم خرجوا فى الشوارع احتفالا بثورة 30 يونيو والتى أطاحت بجماعة الإخوان من الحكم، وفى جلسة جمعتنا بدعوة كريمة من السفير الدكتور محمد نعمان جلال الدبلوماسى المصرى المرموق رأينا كم تأثر المصريون والبحرينيون بما يحدث فى مصر، وكم أصبحوا يقدرون الاستقرار وبقاء الدولة فى منطقة تتساقط الدول فيها واحدة تلو الأخرى .
البحرين بلد شاب يحترم شيوخه، ففى كل المؤسسات التى زرناها كان أصحاب الخبرة هم البوصلة التى تحدد الاتجاهات وتتدخل حينما يتطلب الأمر ، لكن الشباب هم المسيطرون، يفكرون ويضعون الخطط ويحددون الاستراجيات ويستشرفون المستقبل، وكان الفتى راشد الحمر يتحدث بحماس عن خططهم لتطوير جريدة "الأيام"، ليس باعتبارها من دواعى مسايرة الموضة فى عالم الصحافة، بل اقتناعا بضرورة التقدم نحو الامام وعزو فضاءات جديدة لم يطأها الإعلام البحرينى بعد، كذلك كان الشاب مهند سليمان النعيمى فى وكالة أنباء البحرين، الذى أبدى شغفا بكل جديد طرأ على أساليب العمل الصحفى.
الحفاوة البحرينية بكل ما هو مصرى لم تقف عند ما وجدناه من حسن استقبال فى صحف الأيام والوسط ووكالة الأنباء البحرينية، وامتدت للختام الحسن بلقاء مع مجلس تحرير جريدة أخبار الخليج العريقة وفى مقدمتها أنور عبد الرحمن أو "الأستاذ" كما يطلقون عليه فى الخليج، ومعه اثنين من امهر الصحفيين المصريين هما لطفى نصر وسيد زهرة وبمشاركة من الدؤوب دوما عبد المجيد حاجى.
وفى منزله النائى استقبلنا أنور عبد الرحمن ليكشف لنا عن آفاق جديدة عن العلاقة بين مصر والبحرين وفهم جديد للعلاقة بين الدول العربية وبعضها وكذلك تطور التشابكات والتعقيدات الدولية المحيطة بمنطقتنا العربية، فـ"الأستاذ" يؤمن لحد كبير بفكرة القومية العربية ، كما انه منفتح على الفكر الغربى بالإضافة إلى ثقافته الرفيعة وحسه الأدبى المتميز وإلمامه بالتراث واللغة الفارسية، ويفخر بصورة جمال عبد الناصر المعلقة فى مكان بارز بمكتبه، ويعتز بانه يقدر ما تعنيه مصر من تاريخ وحضارة وفنون وثقافة ، أكثر مما يقدره بعض المصريين أنفسهم، يعترف ببساطة أنه لم يستطيع إخفاء حبه لعبد الناصر رغم تحفظاته على قوانين الإصلاح الزراعى وبعض الاجراءات الاشتراكية بعد ثورة 52، معتبرا عبد الناصر أهم زعيم عربى فى المائة عام الماضية.