«إن لربكم فى أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا»، ورمضان الكريم المبارك فى ظنى هو أهم أيام دهرنا، والدهر هنا هو العمر الذى نقضيه فى الحياة منذ أن نأتى إليها إلى أن نغادرها موافين الله سبحانه وتعالى «إن إلى ربك الرجعى»، «إن إلى ربك المنتهى».
والنفحة معناها شيوع حالة العطاء من غير توقع أو بتوقع ولكن من معطى كريم فبقدر عظم المعطى وكرمه تكون قدر النفحة والعطية، والنفحة الريح الطيبة التى تنتشر فى المكان وهناك كتاب «نفح الطيب فى غصن الأندلس الرطيب» لأحمد بن المقرى التلمسانى.
وفى رمضان نفحات عظيمة لا نجدها أبدا فى أى شهر آخر ففيه ليلة القدر خير من ألف شهر ويقول العلماء إن ألف شهر تبلغ ما يقرب من أربعة وثمانين عاما، وهو عمر من يأخذ حظه من الحياة من أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، أى أن ليلة واحدة فى رمضان تساوى عمر الإنسان كله وهى ليلة القدر. وفى رمضان النفحة الكبرى التى يقوم عليها وجود المسلم وحياته وهى القرآن ففى قوله تعالى «شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن» فاتصال السماء بالأرض والخالق بالمبلغ عليه السلام والوحى إليه أنه المبعوث رحمة للعالمين كافة وللناس كلهم تم فى شهر رمضان، وكانت سورة «اقرأ باسم ربك الذى خلق» وهى سورة العلق أى ما يعلق من حيوان منوى واحد ببويضة من بويضات الأمة فيخلق الله عن طريق ذلك الأمشاج العلق الذى يعلق بجدار رحم الأم لا يكاد أحد يحسه أو يشعر به أو يراه هذه العلق هو الذى يخلق منه الإنسان أهم مخلوقات الله على الكون وخليفته على الأرض.
وفى رمضان النفحة الخفية الجميلة وهى نفحة الصوم وفى الحديث القدسى «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به، الصيام جنة، فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنى امرؤ صائم، والذى نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك»، فالصوم سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه إلا علام الغيوب وفيه تحقيق معنى الإخلاص، لذا يكون الصيام لله بمعنى أنه يوم القيامة حين يتقاضى الناس عند خالق الملك فيطلب الظالمون من ظالميهم حقهم فيذهبون إلى أعمالهم فيأخذون منها، لكن الصيام يجعله الله ذخرا للصائم فلا يتقاص أصحاب الحقوق منه، وفى رمضان النفحة الكبرى وهى نفحة القيام وفى الحديث «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، فالقيام إيمانا أى تصديقا بخبر الكتاب بوجوب الصيام كما فى قوله تعالى «كتب عليكم الصيام» أى فرض عليكم الصيام، واحتسابا أى طلب للثواب والأجر، فالقيام يعقبه مغفرة من الله سبحانه وتعالى. وفى رمضان يتنافس المتنافسون فى الخيرات «وفى ذلك فليتنافس المتنافسون» فيخرجون زكواتهم وصدقاتهم.
إن رمضان هو النفحة الإلهية الكبرى الرحيمة التى يمنحها الله لعباده كل عام ليتوب عاصيهم ويفيق غافلهم ويتذكر ناسيهم ويزداد الذين آمنوا إيمانا.