فى رمضان تنتشر إعلانات التبرعات وبكثافة غير مسبوقة عن باقى شهور السنة، الجمعيات والمؤسسات الخيرية المنتشرة فى مصر تضغط على أعصاب المصريين فى الشهر الكريم وتستغل الحالة الروحانية «الرمضانية» التى تسيطر على مشاعر المشاهدين لجمع أكبر قدر من الأموال لصالح مشروعات خيرية بعرض مشاهد مصورة تثير الشفقة والعطف والبكاء أحيانا، فى ابتزاز عاطفى لا حدود له حتى لو جاء على حساب سمعة المرضى وحياء الفقراء والإساءة لهم.
رمضان بعد رمضان تزيد الهجمات الضارية من مدفعية إعلانات التبرعات أو «الشحاتة» حتى نضبط المعانى والمصطلحات، فليس بهذه الطريقة يتبرع المصريون وليس باستغلال المشاعر والابتزاز تتدفق الأموال دون ضابط أو رابط أو رقيب، فإعلانات التبرعات للسرطان والقلب والأورام، والكبد، والصم والبكم والفقر وسنينه، إلى جانب أنها تستفز وتحفز المشاهدين فى رمضان بالإسراع للتبرع، لكنها أيضا، كما يرى علماء النفس، تصيب بالإحباط والاكتئاب من مشاهدة مشاهد فقراء المصريين فى قرى مصر، وخاصة فى الصعيد فى حياة بائسة محزنة ومخزية، أو مشاهدة أطفال فى سن مبكرة يخيم عليهم ملك الموت بسبب المرض اللعين. ومع ذلك فجميع هذه الإعلانات ليس «مجانا» أو لوجه الله والوطن، وأصحاب الفضائيات لا يخيل عليهم هذا النوع من الابتزاز العاطفى أو الجو الروحانى، فلا علاقة لهم سوى بثمن الإعلان ولا يؤثر فيهم مشاهد الفقر أو صوت مريض السرطان أو طريقة عرض الإعلان، فثمن الدقيقة ونصف للإعلان يتجاوز مليون وربع المليون جنيه، وبحسبة بسيطة وبرصد حجم الإعلانات الخيرية نكتشف أن حجم الإنفاق الإعلانى على هذه الإعلانات يقدر بمليارت الجنيهات من أجل الحصول على بضعة ملايين من المشاهدين فى رمضان.
هذا العبث والعشوائية والابتزاز لحث المصريين على التبرع والزكاة يجب أن يتوقف، بعد إنشاء بيت الزكاة المصرى بقرار جمهورى وبرئاسة شيخ الأزهر وبعضوية شخصيات مرموقة فى المجتمع المصرى، فالمفترض أن يقوم الصندوق بجمع أموال التبرعات والزكاة ويكون هو الجهة الرسمية المنوط بها والموثوق فيها لوضع أموال التبرعات والزكاة فيها ثم تحدد وفقا لمدى الاحتياج والاستحقاق توزيع تلك الأموال دون إنفاق الملايين على الإعلانات ودون اللجوء للابتزاز العاطفى واستغلال الحالة الروحانية، بحيث تكون هناك جهة رسمية مسؤولة برئاسة أكبر الرموز الدينية فى الدولة قائمة على جمع الزكاة والتبرعات.