وأنا أتابع عن قرب تلك الحالة من «اللغط السياسى» فى أعقاب خروج عبدالمنعم أبوالفتوح رئيس حزب مصر القوية بمبادرته التى وصفها بروشته لحل الأزمة والخروج من الحالة المجتمعية «المحتقنة» الراهنة، تذكرت على الفور «وعد بلفور» الشهير الذى قيلت عنه العبارة الشهيرة التى تقول «من لا يملك أعطى من لا يستحق»، وذلك حينما قدمت بريطانيا وعداً لإسرائيل بإقامة وطن لهم بفلسطين، وذلك فى أعقاب الحرب العالمية، فعبدالمنعم أبوالفتوح بمبادرته المثيرة للجدل يبدو وكأنه كمن يعطى وعداً لجماعته الإرهابية بأن تخرج من أزمتها وتعود للظهور فى الحياة السياسية، مما يضمن خروجاً لتلك الجماعة الإرهابية التى يؤكد مراراً وتكراراً أنه انفصل عنها ولم يعد له أى صلة بها، وهو أمر مخالف للحقيقة، فجميع تصرفاته المعلنة وغير المعلنة جميعها تصرفات مريبة تؤكد وبما لا يدع مجالا للشك أن جماعة الإخوان وأفكارها «المدمرة» ما تزال تجرى فى عروقه مجرى الدم.
فلماذا يخرج علينا أبوالفتوح بمبادرته التى تتضمن فى أحد أركانها المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ولماذا هذا التوقيت بالذات لتظهر تلك المبادرة التى أقل ما توصف به أنها مبادرة سيئة السمعة، خاصة وأننا مازلنا نعيش نشوة الاحتفال الوجدان بمرور عام على رئاسة السيسى وسط تلك الفرحة المجتمعية بما تحقق من إنجازات سوف تتكلل بالنجاح إن شاء الله، مع افتتاح قناة السويس الجديدة التى تحمل الخير ليس لمصر وحسب بل وللعالم أجمع، حيث سيترتب عنها تغيير كبير فى التجارة العالمية.
وهل تفتق ذهن عبدالمنعم أبوالفتوح فجأة بهذه المبادرة التى تفوح من جنباتها رائحة التعاطف لقيادات الإخوان الذين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من حبل المشنقة بعد صدور أحكام الإعدام فى حق أكثرهم فنجده يطالب بإلغاء عقوبة الإعدام باعتبارها تتنافى مع حقوق الإنسان، وكأنه لم يدرك إلا الآن متطلبات حقوق الإنسان، فأين كان قلب أبوالفتوح المرهف من متطلبات حقوق الإنسان حينما كان أعضاء تلك الجماعة الإرهابية ينكلون بخصومهم السياسيين ويستخدمون أحط أساليب التعذيب ضد الأبرياء، وأين كانت حقوق الإنسان التى يراعيها عبدالمنعم أبوالفتوح وسط هذا الكم الهائل من التجاوزات فى حق المجتمع ككل فى الأحداث التى شهدتها جميع محافظات مصر عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة.
واللافت للنظر أن مبادرة أبوالفتوح جاءت فى توقيت لا يسمح بأى حال من الأحوال بقبول أية مبادرات من هذا النوع، ليس هذا وحسب بل إنها تضمنت بنودًا كثيرة لا يمكن قبولها بأى حال من الأحوال لأنها غير قابلة للتنفيذ بسبب تغير الظروف من جانب واختلاف الأجواء السياسية عما كان عليه الوضع من قبل من جانب آخر، وخير دليل على وجود هذه الأفكار غير الموضوعية والتى لا يمكن تقبلها حتى من حيث المبدأ هو ما جاء فى المبادرة حول فكرة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فمن السخف وفى ظل هذه الجماهيرية الكبيرة للرئيس السيسى أن يخرج علينا من يطالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، والحق يقال فإن الفكرة لم تعد مقبولة أصلاً فى ظل الشعبية الكبيرة للرئيس السيسى، وهو أمر لم يكن موجودًا فى عهد المعزول محمد مرسى الذى كان فى عهده أكثر من %90 من المصريين يرفضونه ويقبلون بفكرة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فكيف يفكر فى طرح هذه الفكرة وسط هذا التباين فى رغبات الشعب التى تغيرت من النقيض إلى النقيض.
أما المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام لمدة عام والإفراج الفورى عن المحتجزين، فهى خير دليل على أن الرجل يعيش فى وادٍ بينما الغالبية العظمى من الشعب تعيش فى واد آخر، فما يقوله فى هذا الصدد ما هو إلا ضرب من الخيال، فهل هناك عاقل على وجه الأرض يسمح لنفسه بأن يطالب بالإفراج عن مجرم وإرهابى ارتكب جرائم لا حصر لها فى حق الأبرياء بل فى حق المجتمع ككل، وأنا فى هذه النطقة على وجه الخصوص مع ضرورة الإفراج عن المحبوسين إن لم تكن جرائمهم مرتبطة بأى نشاط إرهابى، وهو ما حدث بالفعل من الرئيس السيسى حينما أفرج عن المحبوسين احتياطيا فى جرائم سياسية بسيطة، ولكننى فى نفس الوقت أرفض سياسة ممارسة الضغوط على الدولة للإفراج عن أى مجرم ينتمى لتلك العصابة الإرهابية التى عاثت فى الأرض فساداً وارتكبت جميع الموبقات على مدى عام كامل مارست فيه الإرهاب فى أبشع صوره.
كما استوقفتنى مسألة فى غاية الخطورة فى هذه المبادرة «العجيبة»، وهى أن أبوالفتوح يحاول رمى طوق نجاه لجماعة الإخوان التى يرى أنها فى مركب يغرق الآن فى محيط من الفوضى والعنف الذى تسببت فيه قيادات تلك الجماعة، وهنا كنت أود أن يحدد عبدالمنعم أبوالفتوح من هم الإخوان الذين يعنيهم فى مبادرته والذين يدافع عنهم ويحاول أن يحميهم، هل يقصد قادة الجماعة المتورطين فى أعمال العنف أم يقصد المتعاطفين مع الجماعة والذين احترقت أيديهم بنار الإرهاب الذى تسببوا فيه عن سوء نية، فمن هم الإخوان الذين تتحدث عنهم المبادرة كى يتم التفاوض معهم، خاصة وأنه من المؤكد أن جماعة الإخوان لم يعد لديها قيادة تستطيع الحديث معها الآن ويكون كلامها ملزما لجميع الأفراد داخل التنظيم الإرهابى المحظور رسميا وبحكم القانون.
وتصل مبادرة أبوالفتوح إلى ذروة التحليق فى فضاءات الوهم بطرحها لفكرة تشكيل حكومة ائتلافية، فعن أى حكومة ائتلافية يتحدث أبوالفتوح وسط هذا المناخ غير المستقر الذى تعيشه الساحة السياسية، فقد أثبتت الأزمات أنه من السخف الحديث عن ائتلافات سياسية، فالأحزاب والقوى السياسية الحالية لا هم لها سوى مصالحها الشخصية ومدى ما سيتحقق لها من وراء أى تكتلات حزبية، ولنا فى تلك الائتلافات التى تمت خلال الفترة الماضية خير مثال على التشتت، فقد ثبت بالدليل القاطع فشلها وعدم جدواها، بل إنها تعمل ضد الصالح العام.
أعتقد أن ما فعله عبدالمنعم أبوالفتوح بتلك المبادرة لم ولن يثنينا عن المضى فى طريقنا نحو تحقيق النهضة الشاملة التى ينشدها المجتمع، أما تلك الجماعة الإرهابية ومن هم على شاكلة أبوالفتوح فلن يكون لهم مكان فى تلك المنظومة التى تتشكل الآن، ذلك أن الزمن لن ينتظرهم، وسنة الحياة لن تتعطل من أجلهم، وطبيعة الأشياء لن تقف إكراماً لهم وإجلالاً لاختلافهم، بل إن سنن الحياة ستمضى وسنخضع لنواميسها، وسيأتى اليوم الذى تخلو فيه المحروسة من أمثال هؤلاء الذين تآمروا عليها حينما خلعوا برقع الحياء عن وجوههم الكريهة وتطاولوا على خير أجناد الأرض.
وهنا أتساءل: طالما أن القانون يقضى بحل جميع الأحزاب السياسية القائمة على خلفية دينية، فلماذا تترك الدولة حزب مصر القوية يصول ويجول على هذا النحو المريب؟