عندما تصل الإمبراطوريات لمرحلة الشيخوخة تعيش داخل مقولات تعتنقها عن نفسها وعن قوتها المفرطة وتنفصل عن العالم وما يحدث فيه وعما يحدث داخل حدودها على الأرض مهما كان بشعا ومؤلما وكاشفا عن بدايات تتخلق ونهايات تبدو فى الأفق. هذا بالضبط ما يحدث مع الإدارة الأمريكية التى أصبحت بعيدة للغاية عما يحدث داخلها وعما يتفشى فى الجسد الأمريكى من أمراض مدمرة تشى بتفتت الاتحاد الفيدرالى أو نشوب حرب أهلية جديدة بين البيض والملونين.
وفى الوقت الذى تضرب الأمراض الأخلاقية والمجتمعية الجسد الأمريكى بقوة، تعيش الإدارة الحاكمة وتتحرك وتتخذ قرارات بناء على نظريات وبرامج مصممة لاحتواء جميع دول العالم وتركيعها، وبالطبع لا يوجد فى تصميم البرامج الحاكمة للإدارة الأمريكية أى أساس أخلاقى أو شبهة من العدالة، ولو من باب إطالة عمر هذه البرامج الحاكمة وبالتالى ضمان نجاح الإدارة الأمريكية فى تنفيذ سياساتها العدوانية فى مختلف دول العالم.
تقرير الخارجية الأمريكية الأخير عن حقوق الإنسان فى العالم، أكبر دليل على تمكن العمى من إمبراطورية اليانكى، فقد أغفل التقرير بالطبع عن صعود جرائم الكراهية والعنصرية فى المجتمع الأمريكى، وتفشى حالات القتل المجانى من المواطنين البيض ضد الملونين والأجانب والمسلمين، كما أغفل التقرير مسؤولية الإدارة الأمريكية عن الانتشار الواسع للأسلحة الصغيرة وعدم اتخاذ إجراءات رادعة للحد من امتلاكها واستخدامها عشوائيا، الأمر الذى شكل تهديدا بارزا للحقوق والحريات.
وأغفل التقرير كذلك عمليات الاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة الفيدرالية أو المحلية فى الولايات ضد المواطنين العزل، خصوصا إذا كان الملونين والأجانب طرفا فى أى خلاف مع أجهزة الأمن
والأمر نفسه فيما يتعلق بالمعتقلات والمعازل التى يساء فيها للحقوق الأساسية للمعتقلين مثل معتقل جوانتانامو الشهير، فضلا عن احتجازهم لفترات طويلة بدون محاكمات وبناء على شبهات مرسلة، كما لم يشر التقرير إلى تجاوز الإدارة الأمريكية عن فضيحة استخدام السى آى إيه لأبشع جرائم التعذيب ضد المشتبه بهم والخاضعين للاستجواب، حتى قبل أن يثبت ارتكابهم لأية جرائم.
ويبلغ العمى الأمريكى حده المطلق عندما يصمم ويصنع ويطلق المجموعات الإرهابية المتطرفة بألوان ودرجات مختلفة وإطلاقها فى مناطق الصراع بالعالم لتكون تطبيقا عمليا لبرامج برنارد لويس وصمويل هانتنجتون وفرانسيس فوكوياما عن العدو الجديد المفترض أن تواجهه الولايات المتحدة، والويل كل الويل لمن يتجرأ ويفسد البرامج الأمريكية أو يكشف فسادها وزيفها.