بينما يسعى الإخوان وأنصارهم لتديين الصراع السياسى بشتى الطرق، ولعل أحدثها إصدار ما أسموه «بيان الكنانة» الذى اعتبر المسألة «محاربة للإسلام»، مرورًا بملاسنات خشنة يكتنف ملابساتها الغموض بين فضائيات خاصة يُفترض أنها بخندق دعم مسار 30 يونيو، وصولاً لإثارة مشاعر سلبية كاليأس والإحباط، فضلا على «إعلام ماسبيرو» المُستبعد عن دائرة التأثير بالرأى العام لتدنى مستواه المهنى ونمطيته، وأسباب شتى لا يتسع المجال لمناقشتها، يبدو المشهد الإعلامى المصرى متخبطًا.
بالطبع يرفض الصحفيون والإعلاميون فرض قيود عليهم، لكنهم بالمقابل مطالبون بالاحتكام لضمائرهم المهنية، للقيام بدورهم بالمعركة الوجودية الراهنة، فلسنا بصدد خلافات سياسية فحسب، لكننا نواجه حزمة تحديات تقتضى إشاعة روح الأمل، واستنفار طاقات الأمة، وتتجاوز «ماكينات المكالم» التى زهدها المشاهدون، والالتحام بالمواطنين، فوسائل إعلامنا تكاد تخلو من التحقيقات الاستقصائية، ولا تنتقل لمتابعة المشروعات الكبرى إلا بصحبة جولات الرئيس. وحينما يتحدث المذيع أضعاف ضيوفه، وتتحول برامج كاملة لمساحات خاصة بمذيعين بعينهم، يُصبح إعلامنا مريضًا بالانتكاس لذهنية «الوصاية على الأمة»، والصوت الأوحد، وتنزلق الأمور لتصفية حسابات لا تعنى المشاهدين، وتفوح منها رائحة صراعات المال السياسى، بينما تتواصل فضائيات الإخوان بتركيا بجمهور تصطنعه لترسيخ اليأس والذعر، بينما تراهن جيوش فضائياتنا الخاصة على ضآلة تأثير الحرب النفسية التى تشنها آلة الإعلام الإخوانية، وهذا يُشكل ثغرة بمعركة العقول والوجدان، ناهيك عن دور شبكات التواصل الاجتماعى الداعم لمنظومة «حرب الأفكار» المشتعلة.
يمارس «الإخوان» وأنصارهم لعبة شريرة تتمثل فى تصدير اليأس للشعب، فإذا بالناس تتحدث «لغة عدمية» عن اختراقهم لمرافق الدولة، وصولًا للانسحاب من مقاومة المخططات الخبيثة، وهى أسوأ نتائج معركة إعلامنا الخاص والرسمى، وتعززه النخبة الانتهازية بمزاعم الموضوعية، وتلك الدعوات المشبوهة للمصالحة، لتستقر بوجدان المصريين صورة وهمية لقدرات الجماعة الإرهابية التى تشن معركة نشر الخوف واليأس والتكفير، و«شرعنة» العنف بخطاب تحريضى تدربوا عليه جيدًا. والمعلوم أن الخوف يشوّش رؤيتنا للأمور، فاليائس يبحث عن الخلاص بأى ثمن، لهذا يقبل ما يرفضه بالأحوال الطبيعية، ويُشكك بالحاضر والمستقبل مهما تهافت المنطق الذى يتبنى مزاعم من طراز أنه «لن يحدث أسوأ مما نعانى»، وهذا يُسهل مهمة الفاشية الدينية لإشاعة القلق والتوتر وهواجس اللامبالاة، والذعر سواء بالعمليات الإرهابية على الأرض، أو ممارسات «غسيل الدماغ» عبر الفضائيات. وبقراءة المشهدين الإعلامى والسياسى قبيل انتخابات البرلمان ندرك حجم المخاطر التى يساهم كثيرون بصناعتها وترسيخها، وقبيل حلول شهر رمضان الكريم تراودنى مشاعر قلق حيال الإفراط بالاستخدام السياسى للمنابر و«موائد الرحمن» التى ستتحول لمؤتمرات انتخابية، فى ظل المزايدات الدينية بين أنصار الدولة المدنية، وتيارات الإسلام السياسى بتنوع مشاربها ومسمياتها.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
نايتي الجميلة
صناعة اليأس