من الجهة المسؤولة فى مصر التى تحمى مواطنيها من حمى المسلسلات التى تصيب الناس وكأنها وباء يقتحم حياتهم رغما عنهم؟ من يحمى الناس فى مصر من ذلك الاقتحام المتسفل لحياتهم وبيوتهم بإنتاج وبائى من المسلسلات التى لا تقول شيئا ولا تقدم فنا حقيقيا، أو تعالج من منظور رؤية مسؤولة مشاكل المصريين، وإنما هى فقط تسعى للربح والحصول على أكبر قدر من الإعلانات بصرف النظر عن مهنيتها والتزامها بقواعد المسؤولية الفنية والتاريخية تجاه المجتمع المصرى. المفروض أن الفن يعبر عن واقع الناس وعن حياتهم، ويناقش مشاكلهم، بينما نحن نواجه كارثة أخلاقية وفنية بكل المقاييس تقوم على تقديم الفن باعتباره نصبا واحتيالا على الناس وإشاعة للخرافة، كما أنه يشيع الفاحشة فى المجتمع، فما معنى أن هناك أكثر من مسلسل يقدم بيوتا مصرية تقوم على الدعارة، بينما المرأة المصرية الحقيقية هى الأكثر شقاء ً وتحملا للمسؤولية وإعالة لأسرتها وجريا وراء مرضى الأسرة.
إن ما يحدث كارثة بكل المقاييس ويعكس فوضى غياب الدولة ومؤسساتها من ناحية، كما يعكس غياب دور مؤسسات المجتمع المدنى المهنية التى تعبر عن مهنة التمثيل تلك، هناك قواعد للمهنة يجب أن يلتزم بها كل منتسب للنقابة، ونقيب تلك المهنة عليه أن يتحرك ليوقف هذه المهازل والمساخر التى تسوق صورة أسوأ ما يكون عن مصر والمصريين والنساء المصريات. كما يحدث فى مجالات كثيرة تتحدث مثلا عن عدم حماية المستهلك المصرى فيما يتصل بالرقابة على طعامه لحد اعتراف رئيس الهيئة القومية لسلامة الغذاء، بأن المصريين يأكلون الكلاب والقطط والحمير منذ عشر سنوات، وهذا المستهلك لا يحميه أحد من الدولة، ولو أن ما جرى بشأن أكل المصريين فى أى دولة أخرى لقدمت الحكومة استقالتها، ولكن لا حياة لمن تنادى، وهى إشارة واضحة من الحكومة والدولة للمتبجحين والخارجين على القانون ومنتهكيه.. اطمئنوا.. افعلوا ما تريدون فلن يمسكم أحد بأذى.
من يحمى المشاهد المصرى كمستهلك للمنتجات الإعلامية التى تقدمها شاشات القنوات الخاصة كالسيل الخرار بلا رقيب ولا حسيب ولا ضمير من الممثلين الذين قبلوا بأدوار تافهة، ومن الكتاب والمنتجين والمخرجين الذين قدموا أعمالا تافهة لا علاقة لها بالفن من قريب أو بعيد، والمهم أن تعمل فى شهر رمضان فتلك فرصة سنوية للعمل بصرف النظر عن معايير العمل أو أخلاقياته أو المهنية التى يتم تقديمه بها.
التليفزيون أحد مصادر تشكيل الوعى وخلق القيم وليس فقط الكشف عنها، وخاصة أن شاشة التليفزيون تمثل المصدر الرئيسى للمواطن المصرى للمعرفة والتسلية، كيف هانت مصر علينا إلى حد أن يقود الفن فيها أشخاص المفروض عليهم بحكم أعمارهم أن يستريحوا فى بيوتهم، لأنهم لم يعودوا قادرين على العمل فضلا عن الإبداع، كما أن الشللية تتغلب على الأعمال فأسر بالكامل تشترك فى مسلسل واحد بدون أدنى خجل، إننى أردد حزينا.. الله يكسفكم.. كيف سنقدم بلادنا بهذه الصورة على الملأ جميعا وللآخرين، إن صناعة الصورة والقوة الناعمة أصبحت مسألة متصلة بالأمن القومى لا يجب أن نتركها للتفاهة والتافهين والمتسرعين الذين يسعون لكسب قائم على لغة أقرب للغة الشارع العدوانية المستهترة المخيفة. كما أن المقالب التى ينفق عليها الملايين وتقوم على السخرية والاستهتار والتفاهة، وتضع الضيوف فى مواقف محرجة لأجل الحصول على مبالغ فلكية يجب أن تتوقف، صورة المسلسلات والممثلين والأعمال الدرامية تعكس حالة فوضى مريعة تقول افعلوا ما شئتم بالمواطن المصرى الغلبان فلا يوجد هناك من يحميه ويدافع عن قيمه، الدولة والقانون والنقابات المهنية عليها أن تتحرك لوقف تلك الفوضى ومعاقبة مرتكبيها، نحن دولة مسلمة وشهر رمضان شهر العبادة والصوم والكف والامتناع والتكافل والقيام والاعتكاف وقراءة القرآن وليس شهر المسلسلات والتفاهات والمقالب.. أوقفوا هذه الفوضى.. يرحمكم الله.