بدأت أمس الكتابة عن «المذكرات» لـ«بيرم التونسى»، أول إصدارات «قطاع الثقافة» لدار «أخبار اليوم»، ويشرف عليه الكاتب الروائى «عزت القمحاوى»، واستكمل:
لم يخطط «بيرم» لحياته على نحو أن مهنة الأدب ستكون هى وسيلة رزقه، لكنه اكتشف أنه أهل لهذه المهنة بعد رحلة عذاب طويلة، وبعد أن طبع قصيدة المجلس البلدى فى كتيب وباعها بخمسة مليمات للنسخة الواحدة، فراجت الكتب رواجا عظيما و«طبعت منه مائة ألف نسخة، وهكذا وجهنى القدر إلى مهنة الأدب وسيلة للرزق، ثم دأبت على إصدار كتيبات صغيرة بها مختلف الانتقادات الاجتماعية».
قامت ثورة 1919 فقرر «بيرم» أن ينزل إلى الميدان بقلمه، ولما فشل فى الحصول على تصريح بجريدة، أصدر سلسلة من الكتيبات الصغيرة باسم «المسلة»، وفيها نشر قصص فضائح السلطان فؤاد حاكم مصر فى أزجال ساخرة، سماها قصائد البامية السلطانى والقرع الملوكى والباذنجان العروسى: «كان من يسألنى عما أقصده بهذه الفضائح، أرد عليه قائلا، إنها تقليد لنداء باعة الخضراوات فى الإسكندرية الذين كانوا يتفننون فى النداء على بضاعتهم بهذه العبارات».
لم يخف قصد بيرم على الجميع، وتساءلوا كما يقول: «عمن يكون هذا الذى تحدى العائلة الحاكمة ممثلة فى شخص الرأس الأكبر فيها، وهى التى صار الجميع يتملقونها بعد فشل ثورة عرابى أمام تحالف الاستعمار مع تلك الأسرة».
استمر بيرم فى معركته الكبرى: «دأبت كل يوم على نشر فضيحة جديدة عن فؤاد وأنصاره واتصل بى أذنابهم واعدين بالمناصب الكبيرة، والخدمات الكثيرة إذا رجعت عن طريقى ولكنى رفضت أى شىء من متاع الدنيا على حساب ضياع استقلال البلاد واستغلال الناس».
عجزت الحكومة عن إغراء بيرم، كما عجزت عن محاكمته، حيث استند هو على قانون حق الأجانب فى مصر فى الاحتكام إلى محاكمهم الخاصة التى تطورت إلى المحاكم المختلطة، وبحكم جنسيته التونسية استغل هذا الحق فى: «مهاجمة أعداء الله والناس وتركز هجومى على عميل الاستعمار الأول رأس العائلة الحاكمة»، وأمام ذلك أصدرت الحكومة أمرا بإبعاده عن البلاد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة