تزدهر الأساطير حين تغادر موطنها الأصلى وتسافر عبر العالم، فإذا بحثت عنها فى موطنها الأصلى، ففى الغالب لن تجد شيئًا واضحًا.. تذكرت أسطورة حكاها، أو ابتكرها، دينو بوتزاتى «1904 - 1972» الإيطالى، صاحب رواية «صحراء التتار» التى تعد من عيون الأدب العالمى، والتى تحكى عن الذى عاش عمره ينتظر عدوًا ما، ويستعد له على الحدود، ثم ورطته عندما انتهت خدمته ولم يأت أحد. حكى فى «الصخرة» عن أسطورة تُحكى فى صقلية منذ سنة 1870 عن رجل كان يمتلك مجموعة من قوارب الصيد، وله ابن وحيد يحب البحر، ويخرج معه للصيد، كان الأب يخاف عليه، وفى الوقت نفسه فخور به، ذات ليلة وصل الابن إلى جزيرة «ليبارى» على بعد عشرات الأمتار من الشاطئ الغربى، اكتسحت موجة عنيفة قارب الفتى وقلبته ولم يعد، منذ ذلك اليوم والأب ينتقل كل يوم إلى الجزيرة، يبكى هناك، وعندما يكون البحر هادئًا يذهب بقارب صغير إلى المكان الذى غرق فيه ابنه، يجلس ساعات ينادى عليه بصوت عال، ويخترع حوارات طويلة معه.. سنوات والرجل يذهب إلى هناك ينادى ويتحدث، وعندما تقدم فى العمر قل تردده، وذات ليلة لم يعد الأب، انتظروه طويلًا، ذهبوا إلى المكان ولم يجدوا له أثرًا، بعد أيام اكتشف الصيادون صخرة لم تكن موجودة فى تلك البقعة من قبل، وتوصلوا إلى أن الحزن الكبير جمد العجوز وحوله إلى هذه الصخرة، ومنذ ذلك الحين لم يعد يجرؤ أكثر الشباب إقدامًا على المغامرة بالاقتراب ليلًا من تلك البقعة، فقط يحومون حولها، لكنهم كانوا يسمعون من بعيد، خصوصًا فى الليالى المقمرة، نداءات الأب اليائس، ونحيبه وصياحه وأنينه، أما من جهة الجنوب، فقد اتخذت تلك الصخرة شكل عجوز هزيل، وفى وقت معين من الساعات الأخيرة من الليل تنفتح العيون ليتساقط منها الدمع.. تذكرت هذه القصة الأسطورة قبل يومين بعد براءة الجميع من قتل المتظاهرين، وجرفتنى أحزان أهالى الشهداء.. بعيدًا.