بالفعل كانت زيارة رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب لمعهد القلب مفاجئة، وليست مثل زيارات كثيرة متفق عليه، لكن ما رآه رئيس الوزراء لم يكن ليفاجئ أحد، لأنه الواقع، وسواء فى معهد القلب أو معهد تيودور بلهارس أو معهد ناصر أو حتى المستشفيات الجامعية، فالحال فيها أن أكثر من نصف القوة غائبة، ولا يوجد استعداد ولا ضمير، وحتى هؤلاء الذين يعلقون الأمر على شماعة نقص الإمكانات يعرفون أنهم كاذبون، وهناك أساتذة كبار، وبعضهم معروف، يقبضون من مستشفيات جامعية ومعاهد ولا يذهبون يوما واحدا فى الشهر، وما اكتشفه رئيس الوزراء من غياب أغلب فريق المعهد وتردى الخدمات، وتدنى حالة المعامل، جزء فقط. هناك الابتزاز والاستغلال، وتجاهل مرضى حتى الموت، لأنهم فقراء.
سنقول إن زيارة رئيس الوزراء كاشفة، لأنها عرت الوضع فى المؤسسات الصحية والعلاجية بوضوح، هل كان الأفضل لو كانت من وزير الصحة؟ ربما المديريات أو من المسؤولين. لن تكون أفضل أبدا طالما تنتظر رئيس الوزراء أو وزير الصحة، لكن بنسف هذه المنظومة الفاسدة التى تفسخت طوال عقود، والتفكير فى نظام يلبى حاجة الناس ومطالبهم، وحتى هؤلاء المسؤولين الفاسدين عندما يتحدثون يرددون نفس الكلام.
وإذا كان هذا هو حال المستشفيات الكبرى بالقاهرة، فهل ينتظر فقراء القرى والمراكز أن يذهب رئيس الوزراء بنفسه إلى المستشفيات والوحدات الصحية، أو معاهد المتخصصة فى الأرياف والمراكز والمحافظات.
يستحق رئيس الوزراء كل الشكر، لأنه كشف ما يجرى، وجيد أن يذهب وزير الصحة ليدير هذه المؤسسات الصحية، معهد القلب، أو بلهارس أو أى من المستشفيات والمراكز، لكن كل هذا يظل فى سياق الترقيع ما لم يصل الحل إلى قلب الخلل، ووضع قواعد للحساب والرقابة، وتخيير الأساتذة والاستشاريين بين البقاء أو الاستقالة، والتفرغ لأعمالهم الخاصة.
الحقيقة المرة التى يجب أن نعترف بها أن هناك انهيارا تاما لمنظومة الإدارة فى المستشفيات العامة والمركزية والجامعية، بشكل يبدو وكأنه يستعصى على الحل، والمدهش أن هذه المؤسسات تكفى لو عملت بضمير والتزام، هناك خلل فى منظومة الإدارة بمصر، يعنى أنه لا أحد يعمل إلا قليلا وبمبادرات فردية، ما ظهر فى الصحة هو نفسه فى التعليم وباقى المؤسسات، والمحليات طبعا، وهى أصل الداء، ربما كان هذا ظاهرا فى المستشفيات والوحدات الصحية، لأنها تتعامل مع جمهور، وهى بالفعل فى حال شديد التردى، والزيارات المفاجئة مهمة، لكن الأهم هو منظومة للإدارة والرقابة تخلو من المجاملات وتستبعد العناصر غير الفاعلة. فلنتوكل على الله ونبدأ الإصلاح جذريا، ونتخلى عن الترقيع.