قلنا مرارًا وتكرارًا إن المنظومة الأمنية بعافية شويتين ثلاثة، وكتبنا سلسلة مقالات حملت مناشدة، وتحذيرات واضحة للمسؤولين بوزارة الداخلية، بأن هناك كوارث قادمة، إلا أن الوزارة بدلًا من أن تتعامل مع هذه التحذيرات بالجدية المطلوبة، والإسراع لتقديم الحلول العاجلة فى المواجهة والمعالجة، أعلنت غضبها من المقالات، وجعلت ودنا من طين وأخرى من عجين.
قلنا مرارًا وتكرارًا إن الأمن الجنائى، والحراسات، والكمائن الثابتة والمتحركة لا تعمل بشكل احترافى، وبعيدة تمامًا عن الكفاءة المهنية، وأداءها تقليدى، وعلى «أبوقديمو»، ويطبقون نظريات أمنية تعود إلى أيام «العسس» فى العصر المملوكى، وأدخلوا القانون غرفة الإنعاش، ورفعوا من شأن الحلول العرفية، من تصالح ومراجعات وإقرارات التوبة الوهمية مع الجماعات التكفيرية، وجلسات المصاطب وقعدات جبر الخواطر مع البلطجية والنزاعات القبلية فى المحافظات، وذلك من أجل عدم الرغبة فى مكافحة الجريمة.
نعم هناك تراجع مخيف فى الأداء الأمنى يصل إلى حد الكارثة، وهناك قطاع كبير وعريض من المباحث الجنائية يكتفى فقط بالجلوس خلف المكاتب فى المراكز والأقسام والنقاط الشرطية لا يتحركون لمنع مذبحة، إنما يتحركون فقط لمعاينة الجثث والدفع بها إلى المشرحة، ولكم فيما يحدث فى محافظة قنا من مجازر أسوة سيئة، رغم تحذيراتنا العديدة لمدير الأمن والقيادات الأمنية هناك، وفى الوزارة أيضًا، ولنا قول بالوثائق والأدلة فى مقالات قادمة نفند فيها الأداء الأمنى فى الصعيد بشكل عام، ومحافظة قنا بشكل خاص.
واقعة اغتيال المستشار هشام بركات، النائب العام، وصمة عار على جبين الأمن المصرى، ورسالة بالغة السوء للداخل والخارج، مفادها أن الأمن بستين سبعين عافية، ويتعامل بتكاسل وعدم تقدير للمخاطر الجسيمة التى تمر بها البلاد، وأنهم فى مواجهة خطيرة مع جماعات إرهابية خسيسة، ومجموعات بلطجية تهدد السلم والأمن الاجتماعى فى مقتل.
أيضًا لا يمكن أن ندفن رؤوسنا فى الرمال ونعفى الدولة من المسؤولية، بضعفها وترهلها، وارتعاشها وخوفها من اتخاذ قرارات حاسمة وقوية ضد الجماعات الإرهابية، من عدالة سريعة وناجزة وإسقاط الجنسية عن الخونة والمرتزقة فى الداخل والخارج، وقطع العلاقات مع تركيا وقطر.
الدولة تتحسس خطاها، وتخشى الأصوات العالية، وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية، ومواقف أمريكا وأوروبا، وتعمل لهم ألف حساب، وأن على رأسها بطحة، فاكتفت فقط بتسمين و«ربربة» القيادات الإخوانية فى السجون، ومنحهم فرصة التأمل والتفكير العميق لوضع خطط التخريب والتدمير وإثارة الفوضى واغتيال الشخصيات المؤثرة.
وأقولها بصوت عال، وأتحدى أى مسؤول أمنى بمن فيهم مستشار الرئيس للشؤون الأمنية، ومستشار الرئيس لشؤون الأمن القومى، بأنه لا توجد خطط علمية ومهنية لمواجهة الإرهاب ودولة البلطجية، بحيث تتضمن محاور المواجهة، والوسائل الأمنية المتبعة فى كشف العناصر المتطرفة، ووضع البدائل فى حالة الفشل، ولا يوجد سقف زمنى للانتهاء من عملية القضاء على الإرهاب، والتعامل بجدية وصرامة فى تنفيذ الخطة.
نعم هناك تضحيات يبذلها رجال الأمن فى المواجهة مع الجماعات الإرهابية، ولكن معظم هذه الأرواح التى تزهق بين صفوف رجال الشرطة فى المواجهة سببها عشوائية الأداء، وأن حادث اغتيال النائب العام وهو أعلى منصب قضائى فى البلاد، ورغم أنه يحتل قائمة الاغتيالات، فإن الحراسة كانت دون المستوى، ولم تتبع حتى الوسائل التقليدية فى التأمين والحماية، وطهرت ثغرات أمنية كارثية ومشينة.
الدولة ووزارة الداخلية بعيدتان عن الاستثمار الأمنى باحترافية، ومواكبة التقدم العلمى والتكنولوجى فى المكافحة والتصدى لمختلف الجرائم، وفى ظل استمرار الوضع الأمنى فى صورته الحالية، فإننا سنسدد فاتورة باهظة الثمن، وستستمر العمليات الإرهابية، وحوادث الاغتيالات إلى ما لا نهاية.. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد!