عندما كان البعض يتحدث عن خرائط جديدة لتقسيم الشرق الأوسط، كان الرد هو السخرية من هواجس نظريات مؤامرة، بينما الأمر الآن يبدو أكثر وضوحا من أى وقت مضى، مصر كانت ولا تزال تواجه عدوا خطرا فى سيناء وبعضه يتسرب للداخل، وإن كانت تقف بقوة حتى الآن وتحقق القوات المسلحة والدولة نجاحات تبدو وكأنها ملهمة، فدولة تعانى من تراكمات ومشكلات عقود من التكلس والفساد، لكنها لا تزال تمتلك روحا قادرة على مواجهة أخطار تسببت فى تفكيك دول وتقسيم خرائط.
تأمل قول المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مايكل هايدن لصحيفة «لوفيجارو» الفرنسية، يقول الرجل: إن العراق وسوريا فى سبيلهما للاختفاء من خارطة الشرق الأوسط أى أن حدودهما لن تكون هى نفسها التى كانت حتى خمس سنوات، وليبيا أيضا، اليوم أصبحت مراكز الأبحاث وأجهزة الاستخبارات تجهر بما كانت تسخر منه قبل سنوات، رسم خريطة جديدة لما يمكن أن يحدث خلال السنوات المقبلة، هم بالطبع لا يتحدثون من واقع الخوف أو الصدمة، فما يحدث يبدو أنه كان مقصودا.
الحديث أصبح علنيا عن اتفاقية سايكس بيكو جديدة، بدلا من تلك التى وقعتها الدول الاستعمارية عام 1916 كانوا يرون أنها تعبر عن مصالحهم، الآن يعلنون أن هناك حاجة لإعادة تقسيم المنطقة، العراق وسوريا ربما الأردن ولبنان ولبييا، وهى خطط كان هناك من يراها ترديدا لنظريات المؤامرة.
عندما تم غزو العراق عام 2003 لم يكن الهدف الدمقرطة أو انتزاع الأسلحة بقدر ما كان محو الدولة وتفكيك جيشها وإيقاظ الطائفية والعراقية، يقول هايدن: اليوم لدينا داعش والقاعدة والأكراد والسنة والشيعة والعلويون، لقد ساعد إيقاظ النزعات الطائفية والعرقية فى توظيف التنظيمات الإرهابية التى تسعى لانتزاع مساحات لتقيم كيانات دينية وطائفية تواصل صراعاتها، لعشرين وربما ثلاثين عاما، لضمان استحالة عودة الدول.
حتى الآن مصر نجت من فخاخ التقسيم العرقى والطائفى، وكانت قبل عامين على شفا هذه الغليان، لولا انتباه الشعب المصرى والتمسك بالدفاع عن النواة الصلبة للدولة. من هنا يمكن النظر لهجمات إرهابية باهظة التكلفة، ويمكن تفهم الدور القطرى والتركى وأدوار كثيرة لدول خليجية دعمت التنظيمات الإرهابية فى العراق وسوريا، بزعم تدعيم السنة بينما كانوا يدقون مسامير فى نعوش الأنظمة القائمة.
الغرب نفسه الذى كان يدعم الأنظمة المتسلطة يتحالف مع أكثر التنظيمات دموية وتخلفا، والهدف الحصول على عجينة يسهل إعادة تشكيلها، ومن هنا يبدو وضع مصر شديد الدقة والأهمية، وسوف يؤثر على باقى التفاصيل، وهو أمر يعرفه المصريون بفطرتهم ويسعون لتجاوزه، بالرغم من الأخطار الواضحة.