أولا: لاشك فى أهمية وأولوية مكافحة كل أشكال الإرهاب، لكن ثمة خلافا مشروعا بين أبناء الوطن حول الصيغة المناسبة التى نحارب بها الإرهاب بقوة وفاعلية وفى الوقت نفسه نحافظ على حقوق الإنسان والمسار الديمقراطى، أنا شخصيا من أنصار التوازن وعدم المغالاة فى تحقيق الأمن ومحاربة الإرهاب على حساب حرية الصحافة والإعلام وحقوق الإنسان، لأن كل تجارب الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية فى محاربة الإرهاب تؤكد التوزان بين الحرية ومحاربة الإرهاب، بين العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والانتصار على الإرهاب. ثانيا: إن تغليب الاعتبارات الأمنية واستبعاد الحوار والسياسة وانتهاك الحريات يصب فى مصلحة الإرهاب ويدعم الخطاب الدعائى للإرهابيين، ويفرز مزيدا من الكراهية والإرهابيين، وأتصور أن القانون المقترح لمكافحة الإرهاب يصب فى مصلحة الإرهاب لأنه يتعارض وعديدا من مواد الدستور ويقيد حرية العمل السياسى ويضيق المجال العام ويهدد حرية الصحافة، ولاشك أن هذه الأجواء التى تغيب عنها الديمقراطية وحرية النقد هى البيئة المناسبة لانتعاش الفكر المتطرف والجماعات الإرهابية.
ثالثا : تركز الجدل والنقاش حول مشروع قانون مكافحة الإرهاب فى المادة 33 التى تنص على السجن سنتين لكل من تعمد نشر أخبار غير حقيقية تختلف عن البيانات الرسمية، وأهمل النقاش العام للمواد الخطيرة التى جاءت فى القانون والتى تقيد الحريات وتضيق المجال العام. رابعا: استندت نقابة الصحفيين فى رفضها للمادة 33 من قانون مكافحة الإرهاب على المادة 71 من دستور 2014 الذى يمنع توقيع عقوبة السجن على جرائم النشر إلا فى حالات التحريض على العنف والتمييز بين المواطنين والطعن فى أعراض الأفراد، أى أن المادة 71 صارت مرجعا، ورغم أننى كتبت معارضا لها عند كتابة الدستور، لأنه لا يوجد تعريف محدد فى القانون للطعن فى الأعراض، وبالتالى قد يساء توظيف هذا النص لحصار حرية الصحافة، وعارضت أيضا غموض مفهوم التمييز بين المواطنين، لأن الدعوة للتمييز الإيجابى لصالح الفئات الأضعف فى المجتمع قد يساء تفسيرها.
خامسا: ليست المادة 33 هى التى تخالف دستور 2014 وإنما هناك المادة 54 التى تسمح لرئيس الجمهورية بفرض إجراءات لا تختلف عن حالة الطوارئ لمدة 6 أشهر، يمكن مدها لأجل غير مسمى بعد موافقة أغلبية البرلمان، ما يعنى إمكانية استمرارها لسنوات، بينما لا يجيز الدستور للرئيس فرض حالة الطوارئ إلا لمدة 3 أشهر فقط، ولا يجوز تمديدها إلا لمدة أخرى مماثلة بموافقة ثلثى البرلمان (المادة 154 من الدستور). سادسا: أهم من المادة 33 فى قانون مكافحة الإرهاب هو عدم تحديد مفهوم الإرهاب والتوسع فيه (البند 7، 8 من المادة رقم 1) بحيث يمكن اعتبار أنشطة سياسية أو حقوقية مشروعة تدخل فى تعريف التعريف المطاطى للإرهاب فى القانون المقترح، مثل التظاهر السلمى والمطالبة بتعديل بعض القوانين وإجراءات التقاضى. وكذلك نشر بيانات أو معلومات تتعلق بأنشطة المنظمات الإرهابية من خلال الصحف أو المواقع الإلكترونية.
سابعا: الحكومة تفكر وتعمل بنفس منهج مبارك.. فهى تخرج على المواطنين بقوانين ومشروعات قومية من دون أن تطرح لنقاش مجتمعى يشارك فيه كل أبناء الوطن، وكأن الحكومة ومن تكلفهم بصياغة القوانين هم أوصياء على الشعب. المنطق الصحيح خاصة بعد 25 يناير و30 يونيو يحتم طرح أى قانون أو مشروع تنموى للحوار المجتمعى، حتى يشارك فيه كل أبناء الوطن، وبالتالى يقتنعون به، ويعملون بحماس أكثر لتطبيقه عوضًا عن سياسات الإملاء وإصدار قوانين متسرعة تفتقر للمنطق القانونى، ويشوبها عوار دستورى وعيوب فاضحة فى الصياغة مثل قانون الانتخابات البرلمانية، وبالتالى تواجه برفض أو تحفظات، علاوة على تعطيل مسيرة الوطن.