فى أقل من عشرة أيام يقوم «داعش» بعمليتين كبيرتين فى قلب العاصمة المصرية القاهرة، استخدم التنظيم فى العمليتين العربات المفخخة، فى الأولى التى استهدفت النائب العام فخخها بمائتى كيلو تى.إن.إت، وفى العملية الثانية التى استهدفت القنصلية الإيطالية بوسط العاصمة وقريبا من دار القضاء العالى استخدم مائتى وخمسين كيلو من نفس المادة المتفجرة.
لا نحتاج إلى جهد كبير كخبراء لنقول إن العملية الثانية لها علاقة بالعملية الأولى، وإن من قام بعملية النائب العام المصرى هو نفسه من قام بعملية القنصلية الإيطالية، صحيح أن التنظيم سبق له العمل فى العاصمة حيث توجد مؤسسات الدولة السيادية وحيث تمثل العاصمة الإقليم الاستراتيجى للدولة وعنوان هيبتها وحضورها وفعلها الأمنى والسياسى والاستراتيجى والعاصمة، فضلا عن ذلك كله مزدحمة ويقطنها ما يقرب من الخمسة عشر مليونًا، وهى بهذا المعنى مدن ثورية قابلة بطبيعتها للاشتعال والانفجار، بيد أنه لم يستطع أن ينفذ عمليتين بهذا الحجم الكبير والاحترافى فى مدة متقاربة لم تزد على عشرة أيام، إذن هناك خطر بين أرجلنا ماثل حولنا ولا نراه، ولم نصل بعد إليه، لا يزال التنظيم الذى قتل النائب العام يتحرك فى قلب العاصمة، ويعد عملياته ويسرق عرباته ويجهز متفجراته ويتحرك دون أن يتم توقيف أى من أعضائه، ومن الواضح أن التنظيم لديه خلية نشطة فى القاهرة ولها صلة بأرض انطلاق التنظيم الرئيسية فى سيناء، فقد ألمحنا بشكل واضح فى تصريحات علنية أن من يقوم بهذا العبث هو تنظيم داعش، وأن هذا التنظيم يطور عملياته بشكل ماكر بحيث يريد أن يبنى خطا للانتقال بين مقره فى سيناء وعلى طول مناطق القناة ووصولا للقاهرة، فالسيارة التى تم تنفيذ عملية القنصلية بها تمت سرقتها من السويس.
لا نزال بعد فى مرحلة الدفاع فى مواجهة ذلك التنظيم، وما يقال عن أن سيناء تحت القبضة المصرية بالكامل ليس صحيحا ما بقى هذا التنظيم يتحرك هناك، وهو تنظيم استراتيجيته تقوم على الحركة كالثعبان وهو يعرف المداخل والمخارج والدروب، واستراتيجيته تقوم على التحرك كالموج بمعنى أن يرتفع ويهاجم كالأمواج التى تعلو ثم تخفت، لكنه يجرب أن يجاوز نظرية الأمواج تلك، حيث كان ينفذ عملية كبيرة تقريبا كل ثلاثة أشهر إلى مواجهة طويلة ممتدة لا تتوقف.
الحديث عن عنف إخوانى صحيح، لكنه لا ينبغى أن يبتعد بنا عن تحديد الخطر الاستراتيجى الجديد على مصر كما أطلق عليه، إنه ولاية سيناء وتنظيم داعش فى مصر، وهو تنظيم يختلف فى استراتيجيته وفكره ورؤيته وتكتيكاته عن الإخوان المسلمين، وهو يختلف مع الإخوان المسلمين اختلافا جذريا، ومن ثم فالحديث الدعائى عن مهاجمة الإخوان أو مواجهتهم لا يجب أن يجعلنا نخلط الأوراق بين ماهو استرتيجى وخطير وبين ماهو تكتيكى، ويمكن التعامل معه بطريقة مختلفة، ما هو استراتيجى الآن هو تنظيم داعش قولة واحدة ويجب أن نضعه على رأس أولويات مواجهة الإرهاب بلا مواربة أو تردد.
وإذا كان الإخوان يمثلون تحديا فإنهم تحد على مستوى منازعة الشرعية فى الدولة، وإذا كان هناك من يتجه إلى العنف وهو صحيح من أعضائهم فإن قدراتهم على العنف لا تمثل استراتيجية، وهى تعبر عن تكتيك للمساندة فى حل سياسى مع الدولة، لكنها لا تمثل صلبا استراتيجيا فى عقيدة التنظيم، أما «داعش» فهو يؤمن بالعنف واستخدام القوة وهو يؤمن بإدارة التوحش والسيطرة على بعض مناطق مصر فى سيناء للانطلاق منها نحو تحقيق أهدافه بالسطوة والسيطرة على المدن بالقوة وإقامة إمارة إسلامية فى سيناء لا تلبث أن تزحف نحو الدلتا وربما الصعيد، فـ«داعش» قد غره ما فعله فى سوريا والعراق وهو يتمدد فى مناطق التوتر والنزاع فى العالم الإسلامى من أفغانستان وحتى موريتانيا والمغرب ونيجيريا، إنه التحدى الاستراتيجى لنا فى مصر، فلا يجب أن ننصرف عن ذلك التحدى إلى غيره قبل قطع دابره.