التطرف مرض.. والمتطرف جانى وضحية.. إما لحكم مستبد.. أو جهلاً مدقع.. أو حتى من أخذته العزة بالإثم.. فالمتطرف لا يجوز أن يكون سوى إنسانياً.. أو متزن نفسياً.. أو مستنير فكرياً.. فالتطرف مخضب بلونى.. السواد والحمرة.. فهو غلظة.. وقتامة.. وكآبة.. وانغلاق.. ودماء.. فكم من أمم هدمها التطرف.. وكم من بحور دم.. جرت كمجرى الأنهار.. بإيعاز متطرف.. فالتطرف أبو الفتنة.. منجبها ومشعلها ومغذيها.
مصر عندما تذكر عبر التاريخ.. تنعت بالتسامح ونبذ التطرف.. فالمصرى لا يهوى التطرف.. ولا يجنح إليه.. فالتطرف يثير حفيظته.. ويستدعى اشمئزازه.. فيزحف من جذور جيناته الأصيلة النفور.. فيعتزل المتطرف.. ولو كان ابن أمة.. فالجنس المصرى بطبيعته وسطياً.. دينياً وحياتياً وإنسانياً.. فعلى مدار تاريخ طويل وممتد من التسامح.. قلما هب إلينا التطرف.. وارداً ومحمولاً من ثقافات ودول جوار.. لتبدأ مراحل معتادة من المواجهة.. بداية بالاستيعاب.. ثم محاولات الترويض.. فالتطبيع فالتطويع.. فإذا ما باءت بالفشل.. انتهت بالانقضاض.. فالانكسار فالانحسار فالانقراض.. لينهزم فى كل نهاية التطرف.. وينتصر المصريون.
فمنذ عقود من الحكم المستبد.. وتراكمات أمراضه.. حتى المشهد الآنى.. جثم على أنفاسنا ثالوث متطرف.. يهددوا الوطن.. وهو يحاول أن يتعافى من أضغاث الماضى.. وينهض على قدمين ثابتتين.. ليعدو نحو التقدم.. فالمتطرفين مباركياً وإخوانياً وثورياً.. يتناوبون على محاولات إزهاق روح الوطن.. ودحرنا نحو مجهول.. يخيم عليه السراب والظلمات.. فيقاتلون سعياً نحو مرادهم وغاياتهم.. فيركضون كوحوش البرية.. لنهش جراح الوطن الغائرة.. التى ومضها الشعب المصرى فى الـ 30 من يونيو.
فلا أقصد بالمتطرفين مباركياً.. الذين يميلون لمبارك اقتناعاً دون إنكار لأخطائه.. فلا يغضوا الطرف عن أبناء نظامه.. الفساد والبيروقراطية والمحسوبية.. التى نحتت فى جدران الوطن على كل الأصعدة.. فتصدع وكاد أن ينهار.. لولا أن أتت ثورة 25 يناير.. حاملة انفراجة.. لوضع متأزم بات مغلقا كلعبة الدومينو.. فالتجريف الممنهج طال الجميع .. حتى لا يبقى فى الوطن كيان يطلع إليه الناس كبديل للحزب الوطنى.. أو شخصية نصبوا إليها كبديل لمبارك.. فغلق الحياة السياسة.. والفروق الشاسعة بين الطبقات.. فى ظل نمو اقتصادى كبير وسوء عدالة فى التوزيع.. كانت مهددات فى صميم الأمن القومى.. كادت أن تلقى بالوطن نحو الهاوية.
فالمتطرفون مباركياً.. بعضهم أصحاب المصالح.. الذين تضرروا سياسياً أو مالياً أو اجتماعياً.. من زوال نظام مبارك.. وبعضهم لا يحبون الوطن.. إلا من خلال مبارك ورجاله.. فتمتزج وتترادف معانى الإخلاص وحب الوطن.. مع حب مبارك والوفاء له.. مستدعين لمبارك بطولات عسكرية.. لا علاقة لها بأدائه السياسى.. فلا يتوانوا عن تحقيق مأربهم.. ولو فيه خراب الوطن.. فيكرسوا أبواقهم وخزائنهم.. ليس لكفاح الوطن.. ولكن لمعركة رد اعتبار مبارك.. وتجريس ثورة يناير.. وإعلانها مؤامرة بشكل رسمى.. ويوم نكسة فى تاريخ مصر.. ليأتى الأخطر والأدهى والأمر.. وهو محاولات ليس فقط لعودتهم للمشهد السياسى.. وإنما للسيطرة على الحكم.. بأغلبية برلمانية.. تحاصر القيادة السياسية الحالية وتطوعها.. أو حتى لتزحها لحساب زعمائهم الروحانيين.