زينب عبداللاه

حوارينا وحوارى بوخارست

الخميس، 16 يوليو 2015 08:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الصدفة ورغبة الأبناء جعلتنى أتابع دون تعمد مسلسل حوارى بوخارست، الذى يعرض على عدد من القنوات الفضائية وفى أوقات متقاربة، للوهلة الأولى ومن اسم المسلسل ظننت أنه يتحدث عن مصرى مغترب فى مدينة بوخارست الرومانية، وأن أحداثه تدور فى حوارى رومانيا وليس حوارى مصر، ولكن اكتشفت أن المسلسل يتحدث عن الحوارى المصرية وعن قصة حياة بطله سيد بوخارست الذى سافر إلى بوخارست وعمل بلطجيًا هناك، واكتسب خبرة عاد بها إلى حوارى القاهرة.

المسلسل وشخوصه لا تمت بأى صلة لواقع شوارعنا وحوارينا وشخوصنا، وينضم إلى قائمة الأعمال الدرامية التى تعظم من دور البطل البلطجى تاجر المخدرات وتصنع منه قدوة ونموذجًا وبطلاً محببًا لا يقهر، يقلده الشباب والأطفال مثل عبده موتة وإبراهيم الأبيض، "بطل مخلص وبيسلك فى الحديد"، توليفة قوة وعنف وجدعنة مختلطة بتضحية وتحمل مسئولية رعاية إخوته بعد سجن والده فى قضية مخدرات.

بطل له قدرات خاصة تجعله دائمًا ينتصر على أعدائه ويتحايل لاختراق القانون وينجح دائمًا فى استغفال الشرطة بطرق ذكية، ليصبح حوتًا فى سوق المخدرات ينافس الكبار ويتحداهم وينتصر عليهم، فيرتكب كل الجرائم دون أن يقع تحت طائلة القانون.

هكذا هى شخصية سيد بوخارست التى يجسدها الفنان أمير كرارة، كبير الحتة، وبطل الحارة الذى يقدمه هذا النوع من الدراما كنوذج للبطل الشعبى، وإلى جواره شخصيات أخرى لأهالى الحارة تختلف تمامًا عما نعرفه على أرض الواقع، نماذج مشوهة ومريضة، نموذج الأخت الكبرى القدوة والمضحية التى أخفت عن إخوتها أنها أم لطفل من حبيبها الذى تزوجته سرًا ومات، فأودعت الطفل الملجأ وتزوره فى الخفاء حتى أصبح صبيا، وتنقلب فجأة إلى شخصية شرسة تسعى للانتقام من شقيقها بوخارست بعد أن علمت أنه كان ضالعًا فى قتل حبيبها ووالد ابنها فتتزوج من تاجر مخدرات لتنافس شقيقها فى تجارة المخدرات وتسعى بكل الطرق للانتقام منه، بينما الأخت الثانية رحاب تواعد صلاح صديق بوخارست الأنتيم فى المنزل والصديق المخلص يراودها عن نفسها حتى تراهم شقيقتها الثالثة "أية" وهى شخصية على استعداد لبيع أى شىء فى مقابل تحقيق حلمها فى الشهرة، فتتخذ ما شاهدته ذلة لشقيقتها وتسرق من أموال أختها الكبرى مستغلة فرصة أن رحاب لن تشى بها حتى لا تتحدث عما رأته بينها وبين صديق بوخارست، فى حين لا يجد الصديق المقرب حرجًا من أن يهتك حرمة بيت صديقه وهو ما لا يتفق مع قواعد وتقاليد الحارة المصرية المعروفة، ثم لا يجد حرجًا من أن ينقل العطاء إلى الأخت السنيورة "أية" التى شاهدته مع أختها وأن يقع فى حبها وهى أيضًا لا تجد حرجًا فى أن توافق على خطبته لها رغم ما شاهدته بينه وبين أختها ورغم معرفتها بحب شقيقتها له، تحاول الوصول إلى الشهرة ببيع نفسها حتى تصبح مذيعة مشهورة، ثم ينقلب صلاح على صديقه بوخارست، فى حين يتم استغلال رحاب التى تسعى لتحقيق حلمها فى العمل بالصحافة للإيقاع بأحد الإعلاميين.

بينما تجسد الفنانة ميسرة دور "يونية العالمة" صديقة أسرة بوخارست التى تساعدهم فى كل الأزمات التى تمر بها الأسرة وهى على علاقة بأمين الشرطة صديق بوخارست الذى يساعده فى الخروج عن القانون، ينام فى منزلها ويزورها على مرأى ومسمع من أهل الحارة الذين لا يرون فى ذلك أمرًا منكرًا، بل ويعتبرونها نموذجًا للجدعنة تدخل غرفة الحجز بمساعدة أمين الشرطة لتهدد زميلات رحاب بانتهاكهن جنسيًا وبكشف العذرية رغمًا عنهن إذا لم تعترف إحداهن بتصوير إحدى زبائن عارية فى مركز التجميل وهى الجريمة التى اتهمت فيها رحاب، وذلك لإنقاذها من التهمة، كما أنها تساعد بوخارست فى خطف طفلة فى إطار مساوماته ومعاملاته مع كبار تجار المخدرات والتى يساعده فى عملياتها صديقه أمين الشرطة، وكأن هذه هى جدعنة نساء الحارة فى الوقوف إلى جوار الجيران والأصدقاء.

يلعب بوخارست بالبيضة والحجر ويتفنن فى نقل المخدرات بطرق مبتكرة يعجز عنها كبار التجار ويجد حلولاً لكل المشكلات وطرقا لتخليص كل المصالح، ما يجعله قدوة للشباب والأطفال الذين يرون هذه الشخصية فى مسلسل حوارى بوخارست وغيره من الأعمال الدرامية التى تدس السم فى العسل وتقدم البلطجى فى صورة محببة، وفى المقابل يقدم المسلسل شخصية شقيق بوخارست الطبيب الصيدلى ذي الشخصية المثالية الطيبة، فيظهره بصورة الشاب ضعيف الشخصية الذى ليس له أى دور ولا يستطيع حل أى مشكلة، بل ويبدو دائمًا عاجزًا عن الدفاع عن نفسه وينتظر تدخل بوخارست ليحل له مشكلاته وينقذه إذا ما حدث له أى اعتداء، ثم يتزوج من جارته سيئة السمعة وبعد أن يكتشف خداعها ينفصل عن الواقع وينضم لجماعة إرهابية دولية.
فهل تتعمد هذه الأعمال الدرامية تقديم نموذج البلطجى وتاجر المخدرات فى صورة البطل محببة للشباب والصغار، وأن تقدم كل شخصيات الحارة نساء ورجال فى صورة مشوهة وغير سوية ولا تعبر بأى حال من الأحوال عن النماذج الحقيقية فى الحارة المصرية وتقاليدها وعاداتها، وهل مقصودًا أن يكون النموذج الطيب والمتعلم والمثالى الوحيد فى المسلسل ضعيف الشخصية وعاجزًا ولا يستطيع حتى الدفاع عن نفسه.

هذه النماذج لا تعبر عنا ولا تعبر عن حوارينا وشوارعنا بل تسعى لبث الأفكار المسمومة بين أبنائنا، وهناك فرق كبير بين حوارينا وحوارى بوخارست التى تجسد تتر المسلسل الحكمة والخلاصة والرسالة التى يسعى لإرسائها فى عبارة تقول "اللى يقدر عالتانى ياكله ويمحى اسمه من الكتابة".





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة