أعتقد أن أصعب ما نعانيه الآن هو صعوبة الحوار حتى مع الأصدقاء، أما الذين تعتبرهم خصومك لا يريدون الكلام معك، هم لا يريدونك أصلا، السنوات الأخيرة صنعت من أناس كنت تعرفهم أناسا آخرين، بعضهم تخيل نفسه حكيما، ويعرف أن الذين يعرفونه لن ينظروا إلى حكمته بجدية، ومع هذا يواصل المسيرة، ولأن الفيس بوك واسع وممتد ويشعر الوحيدين بالألفة، ويمنح المحبطين دفعة إلى الأمام، فى حضنه يتقابل المتعوس مع خايب الرجا.
فى اليومين الأخيرين الحزينين، جلست وقتا طويلا أتابع الحوار، لا أحد يتحدث عن الحدث الذى جر الكلام الذى هو اغتيال نائب عام مصر، كل واحد يملك نظرية ومعلومات وتحليلات ورؤية، مضخات فذلكة وإحباط تجلس إلى الكيبورد، لا توجد ابتسامة توحد الله بين سطورهم، غيوم إضافية، تتخللها لغة غير
مريحة، تحول العزاء الذى كان ينبغى أن يكون عزاء كبيرا إلى بؤرة من الضوضاء والادعاءات، النائب العام رمز فى دولة القانون كمدعى عام عن الشعب، هو ليس جزءا من السلطة التنفيذية، هو السلطة
القضائية المستقلة تماما عن بقية السلطات، لأن وظيفته حماية الشعب والأفراد من أى خلل فى الحكم، وفى الاعتداء على حقوق وحريات الأفراد، واغتيال هذا الرمز الهدف منه هو اغتيال رمز الدولة والقانون، على حد تعبير أمير سالم، وبالتالى يتجاوز الأمر شخص الراحل.
لم يتطرق أحد إلى الخطر، وظهرت منطقة رمادية فى اللغة، كأن يقول أحدهم «سيبهم يخلصوا على بعض»، ومن من يقدم النصيحة للإخوان ويطالبهم بالانسحاب ليفسحوا الطريق أمام الثورة المقبلة! ناهيك عن الجمل الاختزالية عن الحريات والقمع وبطش السلطة وقسوتها على الشباب، وهى جمل من الصعب أن تعترض عليها، ولكنك لا تصدق معظم قائليها، اختفت مفردة «التبعية» من قاموس منظرى الخراب الممولين، وفى المقابل سطح الإعلام الموجه الحدث باعتماده على الشعبويين الرداحين، الذين لم يفهموا مغزى اغتيال نائب الشعب، المعركة ضد الإرهاب ليست معركة نظام، ولكنها معركة دولة يجب أن تنتصر، هذه المرة يجب أن تنتصر.