نصر سليمان محمد يكتب: "نهاية الأسبوع "

الإثنين، 20 يوليو 2015 10:01 م
نصر سليمان محمد يكتب: "نهاية الأسبوع " ورقة وقلم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتفض صديقنا أسامة فجأة وكأنما أصيب بلدغة عقرب، أو تذكر أمرا جلل، ارتفع صوته صائحا، اليوم الأربعاء ولابد من انجاز الإعمال المتراكمة فى المكتب، و أيضا شراء طلبات البيت والانتهاء من جميع الحوائج العالقة، غدا الخميس نهاية الأسبوع، ولابد أن أكون فى حالة استرخاء تام، وخالى الذهن مما يعكر صفو هذا اليوم،

ابتسمت فى خباثة، فقد اعتدنا أن الخميس يوم البلادة والكسل، يأخذه البعض إجازة، والبعض الآخر يداوم لقضاء بعض السويعات القليلة ومعه حجته للمغادرة بأسرع ما يمكن، فالبعض يَجهز بإذن رسمى، والبعض الآخر يدعى المرض ويطلب تحويله للتأمين الصحى ليكسب ساعتين يختلسهم من وقت العمل، ومنا من يختلق الأعذار للخروج بخط سير وهمى يدعى فيه إنجاز بعض الأعمال المتأخرة بالإدارة العامة التى تبعد عن إدارتنا حوالى ثلاثمائة متر، وهكذا يستقبل جميع الزملاء يوم الخميس وكأنه يوم إجازة وقد حضروا إلى العمل بطريق الخطأ الذى يجب تداركه والعودة سريعا كل إلى وجهته،

الجميع فى حركة دءوب ونشاط متناهى يحاول أن ينجز ما وراءه حتى يأتى الخميس وقد ألقوا أعباءهم من فوق أكتافهم واستعدوا لهذا اليوم أتم الاستعداد، فالخميس ولا أدرى لماذا يعد عيدا قوميا للرجال، فقد دمغ هذا اليوم فى عقولهم بالاحتفال الحميم الذى يبهج قلوبهم ويسعد أوقاتهم، لما لا وهو يوم علاقة الخلود التى بها الحياة تمتد والأجيال تتعاقب، حتى أن ذكر الخميس مجردا من أى معنى كفيل بإشاعة روح البهجة فى الرجال، ومدعاة للخجل والحياء عند النساء،.ففيه يتزين ويجهزن لاستقبال أزواجهن،وتضاء الشموع، ويطلق البخور،وتتهادى نغمات الموسيقى الناعمة، تقطعها مداعبات هامسة،وسرعان ماتمر الليلة ليستيقظ الجميع ظهر الجمعة،وقد ارتدى الرجال الجلابيب البيضاء وبيد كل منهم سبحة طويلة يستغفرون ويسبحون،، بعد أن اخذ كلا منهم حماما ساخنا أزال به آثار معركة الأمس . وهدأت قواه، وينتهى الأسبوع ليبدأ أسبوع جديد .

اقترب منى أسامة،بعد أن هاج وماج وتذكر انه كاد أن يغفل عن قرب نهاية الأسبوع،وهمس فى أذنى بسؤال لم اعتاده منه، وإن كنت أعلم سبب انزعاجه المفاجئ، وكان سؤاله، هل معك حبة زرقاء لزوم الغد؟، ضحكت ضحكة بلهاء وطالبته برفع صوته، فأنا لا أكاد اسمعه، وعنفته برفق، لماذا الأسرار فى المكتب والزملاء متواجدون؟، قل ما تريده على الملأ حتى لا تأخذهم الظنون،

احتقن وجه أسامة، ونظر لى نظرات كلها حنق وغضب،ولوح بذراعيه وتركنى وذهب، أخذنى الضحك حتى استلقيت على قفاى على مسند مقعدى، وهو ما أثار فضول الزملاء لمعرفة السر الذى أسر به أسامة وجعلنى افقد توازنى فى نوبة ضحك هستيرية،

بالطبع لم استطع أن اذكر لهم شيئا عن طلبه أو السبب الذى أضحكنى، وأيضا لم استطع تفسير السبب لنفسى،. فقد اعتاد أسامه على هذا الطلب من الزملاء وخاصة زميلنا صابر الذى صادف قيامه بإجازة لمدة يومين وهو ما أزعج أسامة كثيرا، وكان الزملاء كثيرا ما يجيبوا طلبه، أو يعتذروا له، وتتم الأمور بطريقة عادية، فنحن زملاء وأصدقاء وكثيرا ما قصدنا بعضنا البعض فى أمور كهذه، بل ونتناقش ونحلل نتائجها وفوائدها، فلماذا هذه المرة أقابله بهذه السخرية التى لامعنى لها،
حاولت الإجابة على هذا السؤال، فلم أجد إجابة شافية، غير أنى عزيت ذلك إلى طلبه المفاجئ للحبة الزرقاء والحالة التى كنت عليها بينما أتأمل أحوال باقى الزملاء فى هذا اليوم، فقد اعتدنا أن نتجاذب مثل هذه الأحاديث بصوت خافت بيننا نحن الزملاء الرجال حتى لانخدش حياء الزميلات خاصة أن من بينهن زميلات لم يتزوجن بعد، وكثير ما كنا نتبارى بصولاتنا وجولاتنا فى هذا المضمار والعنترية التى تتملكنا فى هذا اليوم،وكان صديقنا أيمن أكثرنا تحمسا لهذه الأحاديث، وكثيرا ماكان يدلوا بدلوه ونستمع له وهو يقص علينا القصص ويحكى عن مغامراته ونزواته.

أحيانا كان يتملكنا العجب من تدخل بعض الزميلات المتحررات نوعا ما ومشاركتنا الحوار دون الخوض فى التفاصيل ولكن بالتلميح أحيانا والتصريح المُقَنع أحيانا أخرى، وتنطلق ضحكات ذات معنى ومغزى.

وكانت الأخريات يتوارين خلف الخجل والحياء، وينشغلن فى أحاديث جانبية، ونحن على يقين أنهن يتابعن حديثنا ويسترقن السمع لكل كلمة تقال.

وإحقاقا للحق فقد كانت البعض منهن، كن يشحن بوجههن تماما عن مثل هذه الأحاديث، وتكسو وجوههن علامات الغضب وربما قاموا وتركوا المكان تماما حتى ينتهى هذا الحديث المتجدد،وكانت ليلى أكثرهن حياءً وغضبا، لما لا فهى مازالت فتاة، تخرجت من الجامعة منذ عدة أعوام، وزاملتنا فى العمل، ومن يومها حتى الآن لم يتغير طبعها أو تتزحزح عن موقفها فى هذا الأمر.

غير أن أشد ما كان يدهشنا جميعا التغير الحاد الذى طرأ على زميلنا أيمن منذ مدة ليست بالقصيرة، وجعله ينكمش فى مكانه و يبتعد عن مشاركتنا الحديث كلما خضنا فى مثل هذه الأمور، بعدما كانت ملعبه يصول فيها ويجول ونستمع إليه بإنصات وذهول.

أخذنا العجب فى بداية الأمر وحاولنا الوقوف على سبب التغير الذى حدث له، ولما لم نصل إلى شىء احترمنا موقفه وتركناه لحاله.

ظللنا هكذا أكثر من عامين، حتى استيقظنا ذات صباح على مفاجأة من العيار الثقيل،لم نستطع استيعابها إلا بعد حين.

فقد فوجئنا بزوجة صديقنا أيمن التى نعرفها جيدا وطالما جمعتنا بها مناسبات اجتماعية، تأتى إلى المكتب وتنطلق فجأة كالسهم وتنقض على زميلتنا الخجولة ليلى، وتمسك بتلابيبها وتطرحها أرضا وتكيل لها السباب واللكمات، وبسرعة يتدخل زوجها أيمن محاولا فك الاشتباك بينهما دون جدوى، بل ويطاله هو الآخر الكثير من السباب والشتائم من الاثنتين ؟؟؟.

تتدخل الزميلات ويحاولن الفصل بينهم وينجحن أخيرا فى فض الاشتباك الثلاثى، ونحاول جميعا الوقوف على سبب هذه الفضائح، وإذا بمفاجأة لم نتوقعها، فزميلنا أيمن المغوار أبو الفوارس متزوج عرفيا من الزميلة الخجولة ليلى،وجميعنا لايعلم شيئا عن هذه الزيجة الخفية.

تعجبنا كثيرا وأخذتنا الدهشة، وضحكنا من سذاجتنا وبلاهتنا، وأدركنا أخيرا السبب وراء ابتعاده عن مشاركتنا حوار الخميس، والحديث عن مغامراته وفتوحاته كما كان فى سابق عهده،.فكيف له أن يتحدث وزوجته الثانية تجلس بيننا، وعن أى منهن سوف يكون حديثه وهو مراقب وتسجل عليه كلماته.

جلسنا نمصمص شفاهنا حنقا وغضبا من هذا الزميل المحظوظ الذى استطاع أن يمكر بنا ويتركنا نزبد ونرغى ونهلل كجمهور المدرجات بينما هو داخل الملعب يمارس عنتريته وفروسيته فى صمت مريب ويخرج لنا لسانه كيدا.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة