وكأننا نعيش حلمًا رائعًا، فقد مر علينا شهر رمضان دون أن يحدث أى انقطاع فى التيار الكهربائى بأى شكل من الأشكال، سواء بسبب زيادة الأحمال، أو نتيجة عطل فنى فى محطات التغذية، أو لأى سبب آخر من تلك الأسباب التى كنا نسمع عنها على مدى عامين كاملين.
الكل يشعر بأن هناك تغيرًا كبيرًا وملحوظًا فى منظومة الكهرباء فى مصر، والتى كانت تمثل مشكلة كبيرة أرهقتنا ونغصت علينا حياتنا، بل إنها أيضًا كانت قد وضعت الدولة فى مأزق حقيقى أمام الشعب، وأعطت للجميع انطباعًا بأن الحكومة عاجزة عن توفير الطاقة الكهربائية التى تعتمد عليها جميع النواحى الأساسية للحياة.
وبالطبع فإن هذا الإنجاز الذى تحقق لم يأت من فراغ، أو أنه جاء بين يوم وليلة، إنما هو انعكاس لتوجه مهم اتخذته القيادة السياسية، فقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ عدة أشهر مضت أنه لن يسمح بأن تتكرر معاناة الناس خلال أشهر الصيف بسبب الانقطاع المستمر فى التيار الكهربائى، ووجه الحكومة باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحل تلك المشكلة.
وقتها خرجت علينا نفس الأصوات التى احترفت التشكيك فى نوايا الدولة، والتقليل من حجم أى إنجاز حقيقى يكون فى صالح المواطن البسيط، وسمعنا كلامًا «يسم البدن» بأننا مقبلون على صيف حالك السواد، وأن الدولة لم ولن تستطيع توفير الطاقة الكهربائية الكافية لسد احتياجات الناس فى صيف شديد الحرارة، وخلال شهر رمضان الذى يستهلك فيه الناس من الطاقة الكهربائية أضعاف استهلاكهم فى الشهور العادية.
وعلى الرغم من ذلك، فقد مضت الدولة قدمًا فى تنفيذ خطتها التى تستهدف فى نهاية الأمر أن يعيش الناس صيفًا طبيعيًا يستخدمون فيه أجهزة التكييف، ويشربون ماءً مثلجًا، ويستمتعون بالراحة داخل منازلهم دون أن يشعر أحد بأنه يعيش داخل «فرن» كما كان يحدث على مدى عامين سابقين، بسبب تلك الجملة التى أصبحت فيما بعد مجرد كلمة سيئة السمعة، وهى «تخفيف الأحمال».
ولم يكن استمرار الدولة فى انتهاج سياسة إيجاد حلول فورية وعاجلة لمشكلة الانقطاع فى التيار الكهربائى أمرًا سهلًا، وسط هذا الكم الهائل من المشكلات التى تحاصر الدولة من كل الاتجاهات، وفى ظل أجواء حرب حقيقية تخوضها ضد الإرهاب الذى يحاول عرقلة أى خطوة إيجابية، ويسعى لضرب الاقتصاد القومى فى مقتل، لكننا فى أكثر من مناسبة كنا نسمع الرئيس وهو يكرر وعده للشعب بأن يطمئن، ولا يلتفت للشائعات، خاصة وسط تلك الحوادث التى ترتب عليها تفجير بعض أبراج الكهرباء، فقد كان الرئيس متفائلًا، وزاده ذلك إصرارًا على أن يعيش الناس صيفًا آمنًا، وبلا أزمة فى التيار الكهربائى، وبدون ذلك الظلام الذى كان يخيم على جميع أنحاء الجمهورية دون تفرقة بين منطقة راقية ومنطقة شعبية، ولا يفرق بين العاصمة وأى محافظة نائية، فقد كنا نعيش فى حالة من الفوضى، لم تكن- بكل تأكيد- وليدة الصدفة، بل هى نتاج طبيعى لعمليات تخريب متعمد، كانت تتم وفق أجندة وضعتها عقول تخريبية فى الخارج، ونفذتها أيد مصرية ملوثة بدماء الأبرياء، وتفوح منها رائحة الغدر والخسة والخيانة للبلد، ولهذا الشعب الطيب.
أما التأكيد المستمر لوزير الكهرباء، المهندس محمد شاكر، أن مصر لن تمر بأزمة انقطاع الكهرباء التى مرت بها العام الماضى، فإنه لم يكن مجرد تصريح مسؤول لتهدئة الناس التى كانت ثائرة وغاضبة من تلك الأيام السوداء التى عاشوها من قبل، لكنه كان يعى ما يقول، وأنه كان يسير على نفس خُطى الرئيس، وعلى نفس النهج الذى انتهجه الرئيس السيسى لحل تلك الأزمة، وذلك بالتحديد حينما كانت الحكومة قد انتهت بالفعل من محطات الكهرباء التى تم إنشاؤها خلال الفترة الماضية بتكلفة 20 مليار جنيه.
إلى جانب ذلك، فإن التعاقدات التى تمت مع شركة «سيمنس» فى المؤتمر الاقتصادى الأخير بشرم الشيخ، والتى تستهدف إدخال 13 ألفًا و200 ميجا وات إلى محطات الكهرباء كانت أيضًا مصدر ثقة من الدولة بأننا قادورن على اجتياز الأزمة، فضلًا على ذلك، فإن هناك 3623 ميجا جديدة ستدخل نهاية الشهر المقبل إلى المحطات الحالية التى تقوم بتغذية عدة مناطق بالكهرباء.
ولأن المواطن المصرى كان وما يزال وسيظل إحدى أهم دعائم قاطرة التنمية الحقيقية التى تتم على أرض مصر، فعلينا ألا ننسى استجابة المواطنين للدعوات التى كانت تطلقها الحكومة عبر وسائل الإعلام فى أوقات الذروة لحث المواطنين على القيام بترشيد استهلاك الكهرباء من أجل تفادى انقطاع الكهرباء نهائيًا، فالمشاركة الفعالة من جانب المواطنين فى تخفيف الأحمال كان سببًا مهمًا فى هذا الإنجاز الذى نعيشه الآن، فهل يجب أن يمر ما تحقق من إنجازات ملموسة فى هذا القطاع الحيوى المهم هكذا مرور الكرام، دون أن نلقى الضوء على أنه جاء تكليلًا لجهود كبيرة بذلتها الدولة لنصل إلى هذا الوضع المستقر الذى نعيشه الآن وسط تلك الحركة الدؤوبة التى تستهدف تحقيق نجاحات فى أكثر من مكان، وعلى أكثر من اتجاه ليصب فى نهاية الأمر فى صالح المواطن؟
الأمر لم يكن سهلًا، وطريق حل مشكلة انقطاع التيار الكهربائى لم يأت بين يوم وليلة، وحتى نكون على دراية تامة بحجم المشكلة، ومدى المعاناة التى عاشتها الدولة من أجل حلها، علينا أن نعرف أن المواد البترولية المغذية لمحطات الكهرباء بمصر تبلغ تكلفتها 20 مليار جنيه.
فلماذا خرست الألسن التى كانت تصب عبارات الغضب والتطاول وقلة الأدب على الدولة خلال الانقطاع المستمر فى التيار الكهربائى؟، ألم ير هؤلاء المشككون أن الدنيا تغيرت، وأن النور يملأ كل مكان، ولم يعد هناك مجال للظلام الذى كانوا يعشقونه ويشعرون بذاته، وهم يعيشون فيه لأنهم مثل الخفافيش لا تعيش إلا وسط الظلام الحالك، ولا تتحرك أبدًا مادام هناك نور أو حتى مجرد بصيص نور؟
أيها المشككون فى إمكانات الدولة وقدراتها الفائقة على اجتياز الصعاب، وتحويل المحن إلى منح من الخالق عز وجل، لم يعد لكم مكان بيننا، ولم يعد أحد يصدق كلامكم المسموم الذى أصبح مجرد كلام أجوف لا يصل إلى آذان الشرفاء من أبناء هذا الوطن.
وعلى الرغم من كل ما حدث من إنجاز فى منظومة الكهرباء، فإننا نسير وفق خطة طموحة تستهدف التقليل من استخدام الغاز الطبيعى فى محطات الكهرباء، إلى جانب الاعتماد على تشغيل المحطات من خلال الفحم غير الضار للبيئة، خاصة أن هناك معايير وضعتها وزارة البيئة للعمل بالفحم فى محطات الكهرباء.
إن الاستقرار فى التيار الكهربائى خير مثال لما يجرى على أرض مصر، والذى هو فى أشد الحاجة إلى تضافر الجهود، وتكاتف الأيدى من أجل المضى قدمًا نحو الاستقرار والتنمية التى ننشدها جميعًا، فالتعاون أساس نجاح كل شىء، فالله سبحانه وتعالى يقول فى سورة المائد «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ». صدق الله العظيم