أتذكر هذا التاريخ جيدا 19 إبريل 1992، يوم أصدرت المحكمة الإدارية العليا قرارا ليليا مفاجئا بقيام الحزب الناصرى، وكنت مع مجموعة من القيادات الناصرية فى فندق «المسيرة» فى مدينة طبق الليبية، عائدين إلى القاهرة برا بسبب الحصار الجوى على ليبيا، وزف عبدالعظيم مناف رئيس تحرير الموقف العربى الخبر، وتبادل الجميع التهنئة، الفريق محمد فوزى وسامى شرف وأحمد حمروش وضياء الدين داوود وحمدين صباحى وعبدالله إمام وغيرهم، وتوقع الجميع أن يحدث قيام الحزب دويا هائلا فى الساحة السياسية، بعد أن تعنتت لجنة الأحزاب فى رفض قيامه سنوات طويلة، خوفا من التيار الناصرى الجارف الذى كان يراهن عليه كثيرون.
أجريت حوارات مع كل القيادات حول مستقبل الناصرية، وكتبت موضوعا مطولا فى مجلة روز اليوسف بعنوان «حرب استنزاف فى الحزب الناصرى» أغضب بعد نشره الناصريين، لأنه كشف بوادر الصراع المبكر على السلطة بين الحرس القديم والجيل الجديد، بجانب عزوف رموز ناصرية بارزة عن دخول الحزب أبرزها محمد حسنين هيكل، بسبب تحالفه التاريخى مع السادات ضد رجال عبدالناصر فى أحداث 15 مايو، والزج بهم فى السجون، وظلت الحرب مشتعلة وأخرجت فى النهاية أجيال الشباب وعلى رأسهم مصطفى بكرى وحمدين صباحى، وسيطر الحرس القديم على كل شىء، فأصيب الحزب بشيخوخة مبكرة، وأجهض فرصا تاريخية لاحتلال مكان الصدارة بين الأحزاب السياسية، ولم يعد جاذبا بل طاردا للناصريين.
عمر الحزب الناصرى الآن 23 سنة و3 شهور، لم ينجح خلالها فى بلورة مشروع ناصرى، ويجسد أهداف ومبادئ ثورة 23 يوليو، وأثبتت التجربة أن عبدالناصر ملك لكل المصريين ولاينفع حصره فى حزب، وأن الثورة لا يمكن تأميمها لصالح فصيل سياسى بعينه، ورد التاريخ اعتبار عبدالناصر، بعد الهجوم عليه فى الفترة الساداتية، ورغم السلبيات التى شابت الحريات والممارسة الديمقراطية، إلا أن شمعة عبدالناصر والثورة التى لا يمكن أن تنطفئ، هى إعلاء شأن الكرامة الوطنية ورفع قيمة المواطن المصرى أينما ذهب، ورفض التدخلات الأجنبية بكل صورها وأشكالها، والأهم أنه حافظ على هوية مصر وحضارتها وتاريخها، فى مواجهة الإخوان المسلمين الذين حاولوا أن «يتعشوا به فتغذى بهم»، ولقنهم درسا لم ينسوه حتى الآن.