الفقراء وحدهم يموتون غرقا فى النيل أو حرقا فى قطارات السكك الحديد أو دهسا فى حوادث الطرقات المتهالكة والبائسة فى مصر.. لا ثمن لهم.. حياتهم رخيصة، حتى وهم يسعون للحصول على لحظات من المتعة البسيطة والرخيصة الثمن لا يرحمهم طائر الموت الذى يحلق دائما فوق رؤوسهم.
فجأة ينقلب بهم صندل أو مركب سياحى متهالك ويستقر بهم فى قاع النهر، أو يحترق بهم قطار تابى الحيوانات أن يكون وسيلة انتقالها، أو تراق دماءهم يوميا فى كل أنحاء مصر ويصبح لزاما علينا أن نحصى أعدادهم مثل أى شىء يقاس بالعدد والإحصاء، وكأنهم ليسوا بشرا يستحقون الحياة مثلهم مثل باقى البشر القاطنين فى المنتجعات والكانتونات الفاخرة. وفجأة أيضا ومع كل كارثة تنتفض الحكومة تحت ضغط واهتمام الرأى العام وتهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور للمتسببين فى الكارثة والمسؤولين عنها، ويصدر رئيس الحكومة قرارات «ثورية» بإقالة رؤساء الهيئات والمؤسسات المعنية. ثم ومع أول هدوء للرأى العام وانخفاض حدة الغضب والاهتمام من وسائل الإعلام، تضيع الكارثة وتتوه المسؤولية الجنائية والسياسية ويشير الجميع بأصابع الاتهام إلى «السائق»، تذكروا جميع حوادث القطارات والصنادل والعبارات فى السنوات السابقة، ومن حوكم فيها ومن «شال الشيلة» وتحمل العقوبة.
هو السائق أو عامل التحويلة. وكفى الله الحكومة المسؤولية.
إذا كان حادث مركب الوراق، كارثة إنسانية بكل المقاييس، أسفرت عن غرق 41 شخصا حتى اللحظة منهم 7 أشقاء وأطفال ونساء، فالحكومة هى المسؤولة هنا، مسؤولة عن الفساد والإهمال الجسيم وتضارب الاختصاصات وتعدد القوانين وغياب الرقابة والمتابعة واسترخاص حياة البشر.
آلاف الصنادل والمراكب التى يتنزه بها الفقراء والبسطاء من المصريين فى النيل فى مواسم الأعياد والإجازات، تعرف الحكومة جيدا أن معظمها غير مرخص ولا ينطبق عليه شروط السلامة والأمن، والأمر لا يقتصر على نيل القاهرة فقط، بل فى كل المدن المطلة على النيل فى مصر من أسوان وحتى رشيد ودمياط، وكلها مشاريع كوارث قادمة، ولا رقابة أو متابعة من أحد، وفساد المحليات قاعدة متبعة وليست استثناء على حساب أرواح الناس. هل المواجهة هذه المرة ستكون صادقة وجدية وشاملة؟ أم أن الكارثة ستمر مرور مياه النيل من الجنوب إلى الشمال وذوبانها فى مياه البحر أو تبخرها فى الهواء ويدفع «السائق» الثمن وحده..؟!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة